يعني النفس عند الأجل ، وبلوغها الحلقوم كناية عن قرب خروجها ، بل هي حقيقة يعاينها كل من حل اجله. اما الجالسون حول المنازع للموت فإنهم لا يرون من الأمر الا ظاهر صاحبهم ، إذ يلف ساقا بساق ، ويقبض يدا ويبسط أخرى.
(وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ)
بأعينكم اليه لا تستطيعون الا التسليم للواقع ، بينما تستل رسل الله روحه على أقرب من حبل الوريد.
(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ)
كما أنّهم إذا صاروا إلى مثل أمر من ماتوا سيدركون بيقين ويرون رسل الموت بأبصارهم وبصائرهم ، وإنّما يدعونا ربّنا إلى الاتعاظ بمن يمضون قبل أن نكون بأنفسنا الموعظة ، والإمام علي (عليه السلام) يؤكّد لنا هذه الحقيقة إذ يقول : «فإنّكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم ، وسمعتم وأطعتم ، ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا ، وقريب ما يطرح الحجاب! ولقد بصّرتم إن أبصرتم ، وأسمعتم إن سمعتم ، وهديتم إن اهتديتم ، وبحقّ أقول لكم : لقد جاهرتكم العبر ، وزجرتم بما فيه مزدجر ، وما يبلغ عن الله بعد رسل السماء إلّا البشر» (١)
ومن دقيق عبارة القرآن أنّه لا يقول هنا : «ولكن لا تنظرون» ، لأنّ ما يريد بيانه عمى البصيرة وليس البصر وحسب ، فالمؤمنون الموقنون لا يرون الملائكة بأعينهم إذا قضى أحد نحبه على مقربة منهم ، ولكنّهم لا شك يدركون الموت ، ويسلّمون لهذا الحق ، كتسليمهم بكل الحقائق الأخرى ، ويبصرون بقلوبهم حتى ملائكة الله.
__________________
(١) نهج / خ ٢٠ ص ٦٢