المعنى : (لأن شكر الرزق يقتضي الزيادة فيه ، ويكون الشكر رزقا على هذا المعنى ، فقبل «وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ» أي شكر رزقكم الذي لو وجد منكم لعاد رزقكم ، انكم تكذبون بالرزق ، اي تضعون الكذب مكان الشكر ، كقوله تعالى : «وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً» اي لم يكونوا يصلون ، ولكنهم كانوا يصفّرون ويصفقون مكان الصلاة. ففيه بيان ان ما أصاب العباد من خير فلا ينبغي ان يروه من قبل الوسائط الذي جرت العادة بان تكون أسبابا ، بل ينبغي ان يروه من قبل الله تعالى ، ثم يقابلونه بشكر ان كان نعمة ، أو صبر ان كان مكروها).
وروي عن ابن عباس قال : مطر الناس على عهد النبي (صلّى الله عليه وآله) فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) : أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ، قالوا : هذه رحمة الله ، وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا (أي نجم) ، فنزلت الآيات (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) .. (حتى بلغ قوله :) (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (١) أي تجعلون رزقكم انكم تكذبون بالله ، وتصدقون بالأنواء.
[٨٣ ـ ٨٧] ويعالج القرآن الانحراف الذي يقع الإنسان فيه بالشرك ، سواء الصريح منه كالاعتقاد بالأنواء ، أو المبطن كالاسترزاق والمداهنة اللذان هما من ألوان الشرك ، حيث يساوم الإنسان بالحق ، ويتنازل عنه الى الباطل ، أو يكذّب به استجابة لعوامل معينة داخلية أو خارجية ، يعالج هذا وذاك بوضعه امام الموت الواقعة الصغرى التي هي أخطر وأصعب وأحسم حوادث الدنيا ، فهو حينئذ لا ينفعه شيء ولا شخص ، ويأتي التأكيد على هذين الأمرين لان مداهنة الإنسان بالحق وتكذيبه به وشركه ينطلق من كفره بالآخرة والحساب ، واعتماده على الآخرين.
(فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ)
__________________
(١) تفسير القرطبي / ج ١٧ ص ٢٣٠