فنحن حينما نعمل بصرنا وبصيرتنا ونطلع على الواقع الذي تتم فيه الزراعة حيث مئات الآلاف من العوامل والقوانين التي نجهل أكثرها ، ولسنا نحن الذين اوجدناها ، أو نسيرها فانه حينئذ يتأكد لنا بأنه تعالى الذي يزرع ، أما دورنا في الحقيقة فليس إلّا الحرث والسقي وما أشبه وكل ذلك يكون بنعم الله وحوله وقوته.
وحين تصفو رؤية الإنسان وتجلو بصيرته يلامس قدرة الله وتدبيره ويؤمن بمدى سعة القدرة وحسن التدبير ، خصوصا المزارع حيث تحيط به آيات الخليقة ، ويتعامل مع الأنواء والتراب والماء ويتعايش نمو النبات وجماله وتجليات القدرة الالهية فيه.
وترغب النصوص الدينية المؤمنين في التعامل مع الزراعة بهذه البصيرة ، قال الامام أبو عبد الله (ع) : «إذا أردت ان تزرع زرعا فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة ، وقل (الآيتان ٦٣) ثلاث مرات ، ثم تقول : بل الله الزارع ثلاث مرات ، ثم قل : اللهم اجعله مباركا ، وارزقنا فيه السلامة ، ثم انشر القبضة التي في يدك في القراح» (١) الأرض الخالية.
وقال (ع) : «ان بني إسرائيل أتوا موسى (ع) فسألوه ان يسأل الله عزّ وجلّ ان يمطر السماء عليهم إذا أرادوا ، ويحبسها إذا أرادوا ، فسأل الله عزّ وجلّ لهم ذلك ، فقال الله عزّ وجلّ : لهم ذلك ، فأخبرهم موسى فحرثوا ، ولم يتركوا شيئا الا زرعوه. ثم استنزلوا المطر على إرادتهم وحبسوه على إرادتهم ، فصارت زروعهم كأنها الجبال والآجام (الشجر الكثير الملتف) ، ثم حصدوا وداسوا وذروا فلم يجدوا شيئا ، فضجوا الى موسى (ع) وقالوا : انما سألناك ان تسأل الله ان يمطر السماء علينا إذا أردنا ، فأجابنا ثم صيّرها علينا ضررا ، فقال : يا رب ان بني إسرائيل ضجوا مما صنعت بهم ، فقال : ومم ذاك يا موسى؟ قال سألوني ان
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ٢٢٣.