فالمكذّب بالحق يضل ، والضال يكذّب بالحق ، ولأنّ الضال ربما يهتدي بالحكمة البالغة والموعظة الحسنة إلى الحق ، ويعود عن ضلاله ، فقد وصف ربّنا المعنيّين بالمكذّبين (صيغة مبالغة) ليبيّن بأنهم من المتعمّدين الضلال المصرّين عليه. أمّا عاقبة تكذيبهم وضلالهم فهي العذاب الشديد. إنّهم :
(لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ)
قالوا : إنّها كريهة المنظر ، وثمرتها سوداء مرّة منتنة ، وهي تنبت في قلب جهنّم ، ويمتد منها غصن إلى كلّ منزل وفرد فرد ، وجاء في القرآن (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) (١) ، والذي يجعلهم ينجبرون على الأكل منها زجر الملائكة ، وكونهم لا يجدون سواها ، ولعلّهم بسبب السّموم والحميم وظلّ اليحموم قد بلغت حاجتهم إلى الأكل أقصى حدّها ، وقد جاء في الحديث : «إنّ الله عزّ وجلّ خلق ابن آدم أجوف لا بد له من الطعام والشراب» (٢).
ولعلّ هذا العذاب يأتي جزاء الترف الذي اتبعوه في الدنيا ، على حساب حقوق الله وحقوق الناس ، فلم يكونوا يحسون عند ما كانوا يتلذّذون بألوان النعم بمن حولهم من المستضعفين والمحرومين والفقراء ، وكانوا يجمعون المال ويكنزون الذهب والفضة دون أن يتورّعوا عن الحرام ، فنظامهم الاقتصادي قائم على أساس الاستبزاز ، والظلم والربا والاحتكار و... ، والقرآن يصرّح بهذه الحقيقة حينما يحدّثنا في سورة الحاقة عمّن يؤتى كتابه بشماله : «إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ* وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ* فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ* وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ
__________________
(١) الصافات / ٦٤ ـ ٦٥ وللمزيد راجع تفسيرنا هناك
(٢) نور الثقلين / ج ٥ ص ٢٢٢