(قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ)
وربما كان في فعل الأمر «قُلْ» تحقيرا لهم بأنه تعالى لا يكلمهم مباشرة ، ولعل أهم ما يوحي به ظلال «قل» أنّ هذه الحقيقة يجب ان تقال صراحة ، وأنّها من مفردات الدعوة الى الله ورسالاته ، كقوله سبحانه : «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ».
وقال بعضهم : إنّ كلمة «قل» تدل على أنّ هذه الحقيقة من القضايا العامة التي يشترك فيها العوام والخواص (١) ، وقدّم ربّنا (الْأَوَّلِينَ) على (الْآخِرِينَ) لأنّهم استبعدوا بعثهم ، ولكي لا يتوهّم أحد بأن بعث الأقدمين الذين تحلّلوا وتبعثروا ولم تبق منهم حتى الآثار أصعب عليه (سبحانه) كلّا .. (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) (٢) جميعهم ، لا فرق بين مالك ومملوك ، وذكر وأنثى ، ولا أوّل وأخير ، وهذا هو القرآن يؤكّد مرة أخرى بعد «إِنَّ» على البعث ، وأنّ الناس :
(لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)
عند الله ، وكونه جزء من العلم فهو واقع ، وليس بظنّ أو تخرّص أو كذب ، وبالنظر إلى آيات قرآنية فإنّ علم الساعة اختصّ به الربّ ، ولعلّه سبحانه لم يحدّد لها وقتا كما يستوحى من قوله سبحانه : «إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها» ، من هنا فإنّ اليوم معلوم الوقوع لا معلوم الوقت. وهنالك يقف الجميع أمام الله للحساب ، لا فرق بين أحد وأحد ، و(لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ ، وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) (٣) ، فلما ذا الاعتماد إذا على الآباء بدل الحق؟! ولعلّ «مِيقاتِ» هنا اسم للمكان ، بينما «يَوْمٍ» يشير إلى الزمان ، كما نقول : مواقيت الحج ، وربما تتسع الآية لمعنى آخر : أنّ الناس يبقون مختلطين مع بعضهم وهكذا المجرمون إلى يوم
__________________
(١) راجع الرازي في تفسير الآية
(٢) الصافات / ١٩
(٣) لقمان / ٣٣