[٥] إذا كان معنى القسم في كلامنا ـ نحن البشر ـ اتصال موضوعة بأخرى بصورة اعتيادية فإنّ معناه في كلام الربّ اتصالهما بالحق. أرأيت لو قلت : وعمري إنّني صادق ، ما ذا يكون معناه؟ أو ليس معناه أنّك ربطت صدقك بعمرك ، وزعمت أنّهما موضوعتان متصلتان حتى لو فقدت إحداهما (صدقك) كانت الثانية (عمرك) مفقودة هي الأخرى؟
وقد لا تكون الموضوعتان متصلتين ببعضهما في الواقع بل في اعتبارك أو تقديرك فقط.
بينما إذا جاء القسم في كلام ربّنا فإنّ اتصاله بما أقسم له حق وواقع لا ريب فيه ، فإذا قرأنا في القرآن الكريم : «وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ» وتلونا بعدها : «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» فإنّ معنى ذلك أنّ هناك اتصالا واقعيّا بين خلقة الإنسان في أحسن تقوم وبين ما سبق من التين والزيتون (اللذين بهما طعامه) ، (وَطُورِ سِينِينَ) (الذي يحمي البلاد من الأعاصير والأعداء ، ويوفّر الكثير من عوامل الحضارة) (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (الذي يزرع السكينة في نفوس الناس) بين كل ذلك وقوام خلق الإنسان.
كذلك في هذا السياق حينما أقسم الله بالرياح التي تذرو ، والسحب التي تسقي ، والسفن التي تجري ، والملائكة الذين يقسّمون أمرا ، فإنّ هناك ربطا بينها وبين الحقيقة التالية :
(إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ)
أوّلا : لأنّ ربّ السماء المدبّر لهذه القوى العظيمة لا يخلف وعده ، وهل يخلف وعده إلّا العاجز ، وهل لنا أن نتصوّر شيئا من العجز في مقام ربّنا القوي القاهر