مسئوليته لا ينفع شيئا ، وما ذا يستفيد من سماع الحق ذلك الإنسان الذي يتهرب من مسئوليته بالتكبر أو التبرير أو الاستهزاء : «وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ» (١) وتجارب التاريخ البشري تحمّلنا مسئولية الايمان بالله فاذا لم يتجاوز سماع هذه التجارب الى الايمان فما قيمة سماعنا لها؟
[٣٨] وكما تتجلى آيات قدرة الله في التاريخ البشري بصورة إهلاك الأقوام المكذبة ، فانها تتجلى في الطبيعة بصورة أخرى تتجسد في الخلق والإبداع والتفكر في تلك الآيات هذه تفكيرا عميقا (بالقلب السليم والسمع الشهيد) كفيل بأن يجعل فكرة البعث فكرة واقعية ، ويدفع الإنسان للتصديق بالرجوع بعد الموت فلا تصبح الفكرة عندها أمرا شاذا (عجيبا) ، ولا البعث مستحيلا (بعيدا) كما يعتقد الكافرون.
دعنا ننظر نظرة عميقة إلى الطبيعة من حولنا ، ولنركز الفكر في خلق الأرض التي تقلّنا ، والسماء الواسعة التي تظلنا ، ولنتساءل أيها أعظم ، هل خلقهما أم خلق الإنسان هذا الذي لا يكاد يبين بالقياس إليها؟ لا ريب أنهما أعظم خلقا وأعقد «لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» (٢) ومع ذلك فان خلقهما وما بينهما تم في ستة أيام ولم يكن مضنيا.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)
ولعلنا نتساءل لماذا لم يتم الله ذلك الخلق في مدة أقل؟ وربما يذهب بعضنا إلى
__________________
(١) الجاثية / ٧ ـ ٩
(٢) المؤمن / ٥٧