إن المشكلة الحقيقية للإنسان الذي لا يهتدي ليست عدم وجود القلب أو السمع ، وإنما هي توظيفه لهما ، كما جوارحه وإمكاناته الأخرى في الأمور السافلة أو التافهة. يقول تعالى : «وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ» (١).
ولوجود هذه المشكلة يشرط القرآن على الإنسان شرطين حتى ينتفع بسمعه من كلام الآخرين وتجاربهم من آيات الذكر ، فأولا أن يوظف سمعه «يلقي السمع» ثانيا أن لا يكون السمع بذاته هدفا فيقف الواحد عند الحروف أو عند حدود العلم ، بل يعتبر السمع وسيلة إلى هدف هو العمل بالحق ، والحروف والعلم طريقا إلى الموعظة. وبكلمة لا بد أن يكون مسئولا (شاهدا) على ما يصله من العلم ، قال تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ* وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ* إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ» (٢).
وقال مبينا هدف السمع وبعض الجوارح «وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (٣).
ويضرب القرآن مثلا للمستمع الشهيد من واقع المؤمنين الذين يذكرون الله على كل حال وفي كل حين فيقول حاكيا عنهم : «رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا» (٤) إن السمع الذي لا يملك صاحبه الاستعداد لتحمل
__________________
(١) الأعراف / ١٧٩
(٢) الأنفال / ٢٠ ـ ٢٢
(٣) النمل / ٧٨
(٤) آل عمران / ١٩٣