بالنسبة للظروف التي تحيط بالشخص فإنها تحدد له الأحسن ، فمثلا للمجاهد في ظروف التقية ليس الإعلان عن نفسه بل الكتمان والسرية ، إذن فموقع الإنسان وظروفه المحيطة هما اللذان يحدّدان الأحسن.
المعنى الثالث : التوحيد المخلص وهو أفضل ما أنزله الله على خلقه ، وأعظم شيء يتجلّى فيه التوحيد هو اتباع القيادة الرسالية الحقّة ورفض القيادات المنحرفة ، وفي الخبر في تفسير الآية : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) قال :
«من القرآن وولاية أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام» (١)
ويبيّن القرآن بعد نهيه لنا عن اليأس ، ودعوته بالإنابة والتسليم لله ، وأخيرا تأكيده على اتباع الأحسن ، خلفيات هذه الموعظة وأهميتها بالنسبة للإنسان فيقول :
(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)
فهذا الإنسان الذي يسدر في طريق الضلال ، ويسرف في اقتحام الذنوب والموبقات ، رافضا الإنابة والتسليم لله ، واتباع الأحسن ، سوف يجرّ على نفسه العذاب بألوانه ، وسيفاجأ به ، ليس لانعدام النذر والعلامات الدالة عليه ، بل لأنّ كثرة ممارسة الذنوب والإصرار عليها يسلب الإنسان أدنى أسباب المعرفة وهو الشعور ، إذ يعيش عمق الغفلة والضلال.
[٥٦] هذا في الدنيا أمّا في الآخرة حيث تنكشف الحقائق للإنسان ، فإنّه يصل الى أعلى مراحل الوعي والشعور ، فإنّه يكاد يذوب حسرة حين يرى ما أعدّ الله للمؤمنين به الذين استغلوا فرصة الحياة الدنيا مثل الثواب ، بينما أغفل هو الاستفادة من هذه الفرصة الثمينة وحين يرى ما أعدّه الله من العذاب للكافرين
__________________
(١) البرهان / ج (٤) ص (٧٩).