بينات من الآيات :
[٥٣] كانت آيات الدروس الماضية شديدة على من اتخذ من دون الله ندّا أو شفيعا ، أو احتسب الرزق من علمه ، حتى تكاد تتفجّر لهبا ، والذين يتلون الكتاب حقّ تلاوته توشك قلوبهم أن تتصدع من وقع آيات الزمر عليها ، ليس فقط لنفاذ بلاغتها ، وقوة صعقاتها المتتالية ، وإنّما أيضا لبيان جدية الحساب ومدى دقته مما يضيق الأمر على البشر بحيث لا تتخلص نفس منها ، فحتى الصالحون من عباد الله قد يقعون في خطإ نسبة الرزق إلى علمهم أو الزعم بأنّ هناك من يشفع لهم من دون الله أو يشوب قلوبهم ما يتنافى ونقاء نياتهم.
ولعل خطر اليأس من روح الله كان قريبا من قلوبهم عند تلاوتهم لهذه الآيات أكثر من أيّ وقت آخر ، فجاءت هذه الآية التي هي الأرجى بين آيات الرحمة في الكتاب لإعادة التوازن إلى نفوسهم. أو ليس قلب المؤمن يعيش بين شدة الخوف وشدة الرجاء؟
(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ)
إنّها قمة في الرحمة ، أن يدعو الربّ المسرفين من خلقه بهذه الكلمة «عبادي» التي تختلف عن كلمة (عبد) حيث يختص الخطاب بها بالعباد الصالحين عادة ، لكنها هنا تشمل ـ كما رحمة الله ـ حتى الذين تجاوزوا الحدود ، فلم يلتزموا بالشرائع الإلهية ، بل وأسرفوا في المعاصي والذنوب ، إلّا أنّ الله لم يطردهم عن باب رحمته التي وسعت كلّ شيء ، إنّما فتحه لهم على مصراعيه ، ودعاهم إلى التوبة ، كما نهرهم عن القنوط واليأس.
(لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ)