(فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)
فبالنور الربّاني يتصل صدر الإنسان بعالم الحقائق ، فيتسع لها ، وينشرح بها ، ونور الله هو العقل المستضيء بالوحي ، ولعل التعبير ب «على» للإيحاء بأنّ المؤمن ماض على صراط مستنير ، كقوله سبحانه : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ).
ويمكن أن نستوحي من الآية : أنّ للقلب حالتين : فهو ينغلق على ذاته فلا يرى إلّا نفسه فيعيش فقط ضمن مصالحها وتمنياتها وأوهامها ، ويريد العالم المحيط لذاته ، فيكون قاسيا ومع الهوى متقلّبا ، وبالرين والطبع متلبّسا ، لا يعترف بقانون ، ولا يؤمن بسنة ، ويكون مثله من يعيش في بيت ويزعم بألّا أحد يمكث فيه معه ، فيفعل فيه ما يشاء ، ويتحلّل من كلّ التزام ، وأمّا الحالة الثانية فهي الخروج من زنزانة الذات الى رحاب الحقيقة ، حيث يعيش في عالم واقعي يعترف بوجوده ، ويسعى للتعرف عليه والتكيّف معه ، ان مثل صاحبها كمن يدخل بلدا ويعلم أنّ فيه أناسا لا بد أن يعايشهم ، وأنّ لهم قوانين لا بد من الالتزام بها ، وهكذا لا يضيق ذرعا إذا تعرّف عليهم وعرف حقوقهم ، بل أنّه يستقبلهم بترحاب ، ويخضع لنظامهم بلا تردّد.
وإذا كانت الحالة الأولى تعكس الجمود والتخلّف والجهل والفوضى ، فإنّ الحالة الثانية هي ذروة النشاط والرقي والعلم والالتزام.
(فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ)
الله الذي وسعت كلّ شيء آيات رحمته وقدرته وعظمته ، مع ذلك ترى قلوبهم قاسية من ذكره ، فكيف سائر حقائق الخلق؟ أرأيت من عمي عن ضوء الشمس هل يرى شمعة؟! كذلك حين قسى القلب عن ذكر الله فلا يرجى أن ينشرح لمعرفة