بخلاف ما لو قيل له (قل) فانه يعني الالتزام بما يقوله ، بالاضافة إلى بيانه وتحدي الآخرين به.
وهكذا نجد القرآن هنا يأمر الرسول بالإعلان عن تجرد دعوته من المطامع المادية ، وانه لا يطالبهم بأجر.
(قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ)
وانما يدعوهم إلى الحق ، وهذا الإعلان يعكس شخصيته الرسول التي تشهد بصدقه ، كما انه يعتبر التزاما ادبيّا أمام الناس بعدم المطالبة بأجر ، ثم أمره ببيان أبرز صفاته الحسنى وقال :
(وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)
ولماذا يتكلف صاحب الحق وهو يحمل للناس رسالة تتفق مع فطرتهم ، وتؤيدها عقولهم وجميع سنن الحياة وقوانينها لأنها رسالة رب العالمين ، بلى. ان الذي يحتاج الى التكلف هو صاحب الباطل ، لأن ما يأتي به ليس سوى شذوذ يرفضه كل ما في الحياة ، وتأباه النفوس بفطرتها ، فلكي يخدع الناس به لا بد أن يتكلف ، ويتوسل بأساليب ملتوية ، وكمثال على ذلك الكاذب ، فانه وهو يريد الحديث عن شيء غير واقعي لا يصدّقه الناس يضطر إلى زخرفة الكلام ، والحلف باليمين المتكررة ، اما الصادق فهو واضح في كلامه مطمئن في نفسه.
وحياة الرسول تشهد بانسيابه مع الحقائق بالفطرة النقية ، والصراحة البالغة ، والبصيرة النافذة ، فلا يستعجل أمر ربه ، ولا يتكلف حكما ما انزل الله به قرآنا ، ولا يجبر الله على شيء لم يبلغوا مستواه ، ولا ينازع أحدا حقّه أو سلطانه ، ولا يجزع ، ولا يهلع ، ولا يستأثر ، ولا يتصنع ، ولا يغلّ ، ولا يغش ، ولا يطلب سوى صراح