وهنا في هذه السورة وبعد أن يبين القرآن الحكيم أمثلة واقعية من التاريخ عن الذين أخلصوا لله في معتقداتهم وأعمالهم ، فصاروا بذلك قدوة وأئمة في الصالحات ، فمنهم من صبر وتجاوز إغراء السلطة والمال كداود وسليمان (عليهما السلام) ومنهم من صبر على البلاء حتى صار مضرب المثل كأيوب (ع) فنالوا الجنة على ذلك ، بعد ذلك كله يضرب لنا مثلا من واقع أصحاب النار الذين عصوا الله ، وحاربوا المؤمنين ، وطغوا في الأرض. وكما أن الأنبياء يشفعون لأتباعهم ويدخلونهم الجنة لا يدخل هؤلاء النار بمفردهم إنّما يجرّون معهم كل من انتمى إليهم ، واتبع خطهم في الحياة ، وهناك يتخاصم التابع والمتبوع تخاصما عنيفا ، يلقي من خلاله كل طرف المسؤولية على الطرف الآخر ، وكان ينبغي أن يحدث هذا الصراع في الدنيا ، بان يتمرد الإنسان على أئمة الكفر ، ويثور على الطغاة ، أما وهو لم يفعل ذلك فلن ينفعه تخاصمه في يوم الحساب شيئا وقد فوّت على نفسه فرصة الاختيار السليم ، والعمل الصالح في دار الابتلاء.
ان السبب الذي يدعو أكثر الناس لأتباع الطغاة ، والانسجام مع الواقع المنحرف الذي يصنعونه في المجتمع ليس عدم معرفتهم بخطئه ، انما لا يعارضون ولا يثورون هربا من صعوبات الصراع ومسئولياته ، وإذا استطاعوا ذلك في الدنيا فإنهم يجدون مرارة الصراع في نار جهنم ، حيث الظروف القاسية ، والعذاب الأليم المستمر.
إن ربنا يقسم في هذه الآيات بأن الصراع في النار حق ـ كما أكد ذلك في الدنيا في مواقع أخرى من القرآن ، والتخاصم الذي يشب لظاه هناك لهو دليل على ترك الإنسان الالتزام بمسؤوليات الصراع في هذه الحياة ، والذي لا يختار الحق بإرادته يخضع له على الرغم منه ، وقد ترك هؤلاء مكافحة الظلم ، فها هم يكافحونه هناك في النار.