لا حمد لأحد ، إلّا مجازا ، اما الحمد حقّا فهو لله ، الخالق الرازق.
وقد يفتتن الإنسان بحمد ما سواه ، لأنّه تسبّب في وصول نعمة إليه ، ويغفل عن حمد ربه الذي وهب له الكينونة الأولى ، ولا تزال نعمه تترى عليه بما لا يحصيها العادّون.
أمّا الذاكرون ربّهم فيقولون : الحمد لله بجميع محامدة كلّها على جميع نعمه كلّها ، والحمد لله كما هو أهله ، ويستحقه حمدا كثيرا كما يحبّ ربّنا ويرضى.
وأوّل ما نحمد ربّنا عليه أنّه خلقنا ، وخلق السموات والأرض.
(فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)
الفطر في اللغة هو الانشقاق ، وقد قال ربنا في سورة (الملك) : «الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ»
وفطر الله السموات والأرض من العدم ، وأنشأهما من غير مثال يحتذي به ، أو خلق يخلق على شاكلته. لقد انشقّ جدار الظلام الأبدي بإذن الله عن هذه الخلائق التي لا تحصى ولا تحد. ولعل الكلمة توحي بمعنى الإبداع ، والإنشاء ، والتكوّن من دون أصل سابق ، أو مادة قديمة ، حسبما ذكر بعض المفسرين.
وقد جاء في هذا المعنى عن أمير المؤمنين (ع) انه قال :
«أنشأ الخلق إنشاء ، وابتدأه ابتداء ، بلا روية أجالها ، ولا تجربة استفادها ، ولا حركة أحدثها ، ولا همامة نفس اضطرب فيها. أحال الأشياء لأوقاتها ، ولأم بين مختلفاتها ، وغرّز غرائزها ، وألزمها أشباحها ، عالما بها قبل ابتدائها ، محيطا