فما كان ينبغي لرب العزة أن يبعث جندا لمثل هذا القوم. أليس قد تحقّق الهدف من دون ذلك؟
[٢٩] فبماذا تمّ هلاكهم؟ إنّما بصيحة واحدة جعلتهم ـ في لحظة ـ كالرماد الخامد ، لا حسّ ولا حركة ولا حرارة.
(إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ)
[٣٠] ويعقب السياق على هذه القصة التي لخّصت تجارب الرسالات تقريبا قائلا :
(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ)
إنّها تستدعي الحسرات ، حتى أنّ كلّ شخص يكون في مثل هذا الموقع لا بد أن يتحسّر ، أنّ الله خلق عباده ليرحمهم ، وأكرمهم بالإرادة والحرية ، فاختاروا طريق الهلاك ، فبعث إليهم الرسل لينذرهم من مغبّة أعمالهم ، ولكنهم استهزءوا بهم ، وعرّضوا أنفسهم للهلاك الذي يجرّ الحسرات. كيف ضيّعوا فرصتهم الأخيرة بالاستهزاء؟! وكيف أصبحوا وقود جهنم ، وكان من المرتقب أن يكونوا ضيوف الرحمن في الجنة؟!
(ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)
ولعل الاستهزاء هو أشدّ ألوان الكفر ، وأبعد سبل الضلالة ، حيث يعيش صاحبه حالة العبثية واللّاهتمام ، ومثله في هذا المقام مثل الطبيب الذي ينصح المريض بالدواء ، ويحذّره من الهلاك ، فبدل أن يشكره المريض ، ويبادر الى تنفيذ أوامره تراه يضحك منه. أو ليس مثل هذا الرجل يستدعي الإشفاق والحسرات؟!