ضربة فلمعت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها (٢) ـ يعني لابتي المدنية ـ حتى لكأن مصباحا في جوف ليل مظلم ، فكبّر رسول الله (ص) تكبيرة فتح ، فكبّر المسلمون ، ثم ضرب ضربة اخرى فلمعت برقة أخرى ، ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى ، فقال سلمان : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا الذي أرى؟! فقال : «أما الاولى فإن الله عز وجل فتح علي بها اليمن ، وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب ، وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق» فاستبشر المسلمون بذلك وقالوا : الحمد لله موعد صادق. قال : وطلعت الأحزاب ، فقال المؤمنون : «هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ» وقال المنافقون : ألا تعجبون يحدثكم ويعدكم الباطل ، ويخبركم انه يبصر في يثرب قصور الحيرة (٣) ومدائن كسرى ، وانها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق ، ولا تستطيعون ان تبرزوا؟!
وقال جابر بن عبد الله : كنا يوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فيه كدية (٤) وهي الجبل ، فقلنا : يا رسول الله إن كدية عرضت فيه. فقال رسول الله (ص) : «رشّوا عليها ماء» ثم قام فأتاها وبطنه معصوب بحجر من الجوع ، فأخذ المعول أو المسحاة فسمّى ثلاثا ، ثم ضرب فعادت كثيبا أهيل فقلت له : ائذن لي يا رسول الله الى المنزل ، ففعل ، فقلت للمرأة : هل عندك من شيء؟ فقال : عندي صاع من شعير وعناق (٥) فطحنت الشعير ، وعجنته وذبحت العناق وسلختها ، وخليت بين المرأة وبين ذلك ، ثم أتيت الى رسول الله (ص) فجلست عنده ساعة ثم قلت ائذن لي يا رسول الله ، ففعل ، فأتيت المرأة فإذا العجين واللحم قد أمكنا ، فرجعت الى
__________________
(٢) اللابة : الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السود التي قد ألبستها لكثرتها ، والمدينة المنورة ما بين حرتين عظيمتين.
(٣) قال الحموي : الحيرة مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على موضع يقال له النجف.
(٤) الكدية : قطعة غليظة صلبة لا يعمل فيها الفأس.
(٥) العناق الأنثى من أولاد المعز قبل استكمال الحول.