وأنّ عقيدة القدرية ؛
التي دعا إليها معبد الجهني ، وغيلان الدمشقي ، إنّما ترجع إلى أصل نصراني ، فإنّ رجلاً نصرانيّاً يدعي سوسن كان قد أظهر الإسلام فأخذ عنه غيلان الدمشقي هذه العقيدة ، وأخذها معبد عن غيلان ، ثمّ إنّ ذلك النصراني قد ارتدّ وعاد إلى نصرانيّته .
فإنّ أصحاب الرأي الثاني
القائل بالأصالة قد ذهبوا إلى غير ذلك ، فقالوا : إنّ ظهور الجبرية والقدرية معاً كان من داخل المجتمع الإسلامي ، ومن أثر الأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى فيه ، وذلك : أن انتهاء حكم الخلافة وانتقاله إلى الاُمويّين وتسلّطهم على العباد وابتعادهم عن تطبيق العدالة الإسلامية ، كان مقدّمة منطقية للحركات المضادّة التي قامت ضدّهم ، ممّا دفعهم إلى العنف الدموي ، فاحتاجوا حينئذٍ إلى تأويل بعض الآيات القرانية التي يدلّ ظاهرها على الجبر لتسويغ أعمالهم والقول بإن الإرادة الإلهية اقتضت أن يفعلوا ذلك ، وأنّهم مجبورون في أعمالهم.. أو أنّ تلك الإرادة هي التي قدّرت أن يأتوا إلى
الحكم ليفعلوا ما يفعلوا..
ثمّ إنّ دعوة الاُمويين
لتثبيت دعائم هذه النظرية ، كانت سبباً مهمّاً لظهور الاتّجاه القدري الذي أنكر الجبر ونادى بحرية الاختيار الانساني ، وأوّل من نادى بذلك : التابعي الجليل والمحدّث الصدوق مَعبد الجهني
!
فمعبد الجهني حسب النظرية
الاُولى واحد من فراخ النصارى ، وأمّا في هذه
_____________