لنذهب إلى بعض
النحاة لنعرض رأيهم ثم نعود إلى الخليل مرة أخرى يقول الرضى «واعلم أن التعجب انفعال يعرض للنفس عند الشعور بأمر يخفى سببه ، ولهذا قيل
إذا ظهر السبب بطل العجب» هل يمكن أن يكون هذا الانفعال نوعا من المدح أو الذم حيث
يكون الشعور رضا أو غضبا.
يقول ابن يعيش
: «اعلم أن
التعجب معنى يحصل عند المتعجب عند مشاهدة ما يجهل سببه ، ويقل في العادة وجود مثله
، وذلك المعنى كالدهش والحيرة» هل يكون معنى الدهش والحيرة المشار إليهما نوعا من
المدح أو الذم؟
يشير سيبويه
إلى المثال الذي يقول : (ما أحسن عبد الله!) ثم يقول : «زعم الخليل أنه بمنزلة قولك : (شئ أحسن عبد الله) ،
ودخله معنى التعجب. وهذا تمثيل ، ولم يتكلم به» هل يمكن الإحساس بالمدح في مثل هذا
المثال ، ويكون الإحساس بالذم في مثل قولنا : (ما أسوأ هذا الطقس!) مثلا.
لعل ما أورده
المبرد من هذا القبيل حينما يقول : «فإن قال قائل : أرأيت قولك : (ما أحسن زيدا!) ، أليس
في التقدير والإعمال ـ لا في التعجب ـ بمنزلة قولك : (شئ حسّن زيدا) ، فكيف تقول
هذا في قولك : (ما أعظم الله يا فتى!) وما أكبر الله!؟ قيل له : التقدير على ما
وصفت لك. والمعنى : (شئ عظّم الله يا فتى) ، وذلك الشئ الناس الذين يصفونه بالعظمة
، كقولك : (كبّرت كبيرا) و (عظّمت عظيما) وما وصف الناس هذا إلّا نوع من المدح
والتعظيم للمولى ـ عزّ وجل.
ولعل تفسير
الخليل وتعليقه في كتاب (الجمل) على المثال نفسه الذي أورده في الكتاب يقربنا من
تلك الدلالة. يقول الخليل : «قولهم : (ما أحسن زيدا!) ، (وما أكرم عمرا!) ، وهو
في التّمثال بمنزلة الفاعل والمفعول به. كأنه قال : (شئ حسّن زيدا). وحدّ التعجب
ما يجده الإنسان من نفسه عند خروج الشئ من عادته» ونحن نعلم أن خروج الشئ من عادته
إنما يكون خروجا
__________________