ولكن : (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ
وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
والله تعالى
يبتليهم لعلّهم يعون حين لا تجدي بهم رحمته سبحانه ، لكنّ طائفة غالبة منهم لم
يستيقظوا حتّى بالبلاء المذلّ (وَلَقَدْ
أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) .
«التضرّع» ـ كما
أسلفنا ـ مشتقّة من الضرع بمعنى الثدي ، فالتضرّع يعني الحلب ، ثمّ استعملت بمعنى
التسليم المخالط بالتواضع والخضوع.
وتعني هذه
الآية أنّ المشركين لم يتخلّوا عن غرورهم وعنادهم وتكبّرهم ، ولم يستسلموا للحقّ
حتّى وهم يواجهون أشدّ النكبات عصفا بهم.
وإذا ما فسّر
التضرّع في الرّوايات بأنّه رفع اليدين نحو السّماء للدعاء ، فهو أحد مصاديق هذا
المعنى الواسع.
فالله تعالى
يواصل هذه الرحمة والنعمة والعقوبات ، والمشركون يواصلون طغيانهم وعنادهم (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً
ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) .
الواقع ، أنّ
نوعين من العقاب الإلهي : أوّلهما «عقاب الابتلاء» ، وثانيهما «عقاب الاستيصال»
والاقتلاع من الجذور ، والهدف من العقاب الأوّل وضع الناس في صعوبات وآلام ليدركوا
مدى ضعفهم وليتركوا مركب الغرور.
أمّا هدف
العقاب الثّاني الذي ينزل بالمعاندين المستكبرين فهو إزالتهم عن مجرى الحياة ،
وتطهيرها من عراقيلهم ، لأنّه لم يبق لهم حقّ الحياة في نظام الحقّ ،
__________________