ولهذا يستوجب اقتلاع هذه الأشواك من طريق تكامل البشر.
وبيّن المفسّرين اختلاف في قصد الآية من عبارة (باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ).
فالكثيرون يرون أنّه الموت ، ثمّ العذاب وعقاب يوم القيامة.
وآخرون يرونه القحط الشديد الذي واجه المشركين سنين عديدة بدعاء من النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأصبحوا لا يجدون ما يأكلون ، حتّى تناولوا ما تشمئز منه الأنفس.
وغيرهم يرونه العقاب الأليم الذي نزل على المشركين بضربات سيوف جند الإسلام في معركة بدر.
وهناك احتمال أنّ الآية لا تختّص بفئة معيّنة ، بل هي استعراض لقانون شامل عامّ للعقوبات الإلهيّة ، يبدأ من الرحمة ، فالتنبيه والعقاب التربوي ، وينتهي بعذاب الاقتلاع من الجذور والدمار (١).
ثمّ تناول القرآن المجيد القضيّة من باب آخر ، فعددّ النعم الإلهيّة لدفع الناس إلى الشكر (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) والتأكيد على (الأذن والعين والعقل) لأنّها الأجهزة التي بها يتعرّف الإنسان على المحسوسات والقضايا ، فالأشياء الحسيّة يبلغها بالعين والأذن ، والقضايا غير الحسّية يدركها بالعقل.
ومعرفة أهميّة حاسّتي النظر والسمع يكفي لتصوّر حالة الإنسان الذي يفقدهما ، إذ تظلم الدنيا بعينه. وبفقدان هاتين الحاسّتين بالولادة تفقد حواسّ أخرى عملها. فالأصمّ بالولادة يكون بالبداهة أبكم ، فانطلاق اللسان مرتبط بسمع الإنسان وبفقدهما يفقد الإنسان وسيلة ارتباطه مع الآخرين.
وبعد هاتين الحاسّتين اللتين هما مفتاح الإدراك لعالم المادّة ، يأتي العقل الذي ينتزع الأفكار ممّا تموّنه به الحواسّ ، ويجتاز الطبيعة إلى ما وراءها ، ومهمّته
__________________
(١) الآية (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) التي ذكرت قبل هذه الآيات تؤيّد هذا التّفسير.