الإمهال ، وتأخير الأجل؟
وقد أجبنا على السؤال الأوّل في المجلد الأوّل من تفسيرنا هذا (الأمثل) وقلنا :
أوّلا : إنّ خلق الشيطان كان في بداية الأمر خلقا جيدا ، لا عيب فيه ، ولهذا احتل موقعا في صفوف المقرّبين إلى الله ، وبين ملائكته العظام ، وإن لم يكن من جنسهم ثمّ إنّه بسوء تصرّفه في حريته بنى على الطغيان والتمرد ، فطرد من ساحة القرب الإلهي ، واختصّ باسم الشيطان.
ثانيا : إنّ وجود الشيطان ليس غير مضرّ بالنسبة سالكي طريق الحقّ فحسب ، بل يعدّ رمزا لتكاملهم أيضا ، لأنّ وجود مثل هذا العدوّ القويّ في مقابل الإنسان يوجب تربية الإنسان وتكامله وحنكته ، وأساسا ينبثق كل تكامل من بين ثنايا التناقضات والتدافعات ، ولا يسلك أي كائن طريق كماله ورشده إلّا إذا واجه ضدا قويا ، ونقيضا معاندا.
فتكون النتيجة أنّ الشيطان وإن كان بحكم إرادته الحرّة مسئولا تجاه أعماله المخالفة ، ولكن وساوسه لن تضرّ عباد الله الذين يريدون سلوك طريق الحقّ ، بل يكون مفيدا لهم بصورة غير مباشرة.
والجواب على السؤال الثاني يتضح ممّا قلناه في الجواب على الاعتراض الأوّل ، لأنّ مواصلة الشيطان لحياته كقضية سلبية يكون وجودها ضروريا لتقوية نقاط إيجابية ، لا يكون غير مضرّ فحسب ، بل هو مؤثّر ومفيد أيضا ، فإنّه مع غضّ النظر عن الشيطان ، هناك مجموعة من الغرائز المختلفة في داخلنا ، وهي بوقوفها في الطرف الآخر من قوانا العقلية والروحية تشكّلان ساحة صراح وتناقض قويّين ، وفي مثل هذه الساحة يتحقق تقدم الإنسان وتكامله ، وتربيته ورشده.
واستمرار حياة الشيطان ـ هو الآخر ـ لتقوية عوامل هذا التناقض المثمر المفيد.
وبعبارة أخرى : إنّ الطريق المستقيم يتميّز دائما بالالتفات إلى الطرق