ذلك لا يعني تسويغ عدم السجود للإنسان الذي خلق بتلك الروح ، ووهبه الله تلك العظمة ، وجعله خليفة له على الأرض.
والظاهر أنّ الشيطان كان يعرف بكل هذه الأمور ، ولكن التكبر ، والأنانية هما اللذان منعاه عن امتثال أمر الله ، وكان ما أتى به من العذر حجة داحضة ، ومحض تحجج وتعلّل.
أوّل قياس هو قياس الشيطان :
القياس في الأحكام والحقائق الدينية مرفوض بشكل قاطع في أحاديث عديدة وردت عن أهل البيت عليهمالسلام ، ونقرأ في هذه الأحاديث أنّ أوّل من قاس هو الشيطان.
قال الإمام الصادق عليهالسلام لأبي حنيفة : «لا تقس ، فإن أوّل من قاس إبليس» (١).
وقد روي هذا المطلب في تفاسير أهل السنة قديما وحديثا مثل تفسير «الطبري» عن «ابن عباس» وتفسير المنار و «ابن سيرين» و «الحسن البصري» (٢).
والمراد من القياس هو أن نقيس موضوع على آخر يتشابهان من بعض الجهات ، ونحكم للثّاني بنفس الحكم الموجود للموضوع الأوّل من دون أن نعرف فلسفة الحكم وأسراره كاملا ، كأن نقيس «بول» الإنسان المحكوم بالنجاسة ، ووجوب الاجتناب عنه بعرق الإنسان ، ونقول : بما أنّ هذين الشيئين يتشابهان من بعض الجهات وفي بعض الأجزاء ، لهذا يسري حكم الأوّل إلى الثاني فيكون كلاهما نجسين ، في حين أنّهما حتى لو تشابها من جهات فهما متفاوتان مختلفان من جهات أخرى أيضا ، فأحدهما أرق والآخر أغلظ ،
__________________
(١) نور الثقلين ، المجلد الثاني ، الصفحة ٦.
(٢) تفسير المنار ، المجلد ٨ الصفحة ٣٢١ ، وتفسير الطبري ، الجزء ٨ و ٩ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ الصفحة ٢٠٦٧.