إبراهيم مع عبدة الأصنام (١).
بعض المفسّرين يرى أن من المحتمل أن تكون هذه الآية بيانا إلهيا ، وليست مقولة قالها إبراهيم ، إلّا أن ما ذكرناه ـ فضلا عن تأييد الرواية المذكورة له ـ أكثر انسجاما مع ترتيب الآيات ووضعها ، أمّا القول بأنّ هذه الآية لسان حال عبدة الأصنام ، وإنّهم قالوها بعد تيقظهم على أثر سماع أدلة إبراهيم ، فأمر بعيد الاحتمال جدّا.
ما معنى «الظلم» هنا؟
يرى معظم المفسّرين أنّ معنى «الظلم» هنا هو «الشرك». وأنّ الآية (١٢) من سورة لقمان : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) دليل على ذلك.
وفي رواية منقولة عن ابن عباس أنّه عند نزول هذه الآية شقّ على الناس فقالوا : يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه؟ (أي أنّ الآية تشملهم جميعا) ، فقال : رسولالله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّه ليس الذي تعنون ، ألم تسمعوا إلى ما قال العبد الصالح : (... يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٢).
غير أنّ لآيات القرآن معاني متعددة في كثير من الحالات بحيث يمكن أن يكون أحدها أوسع وأشمل ، وهذا الاحتمال جائز في هذه الآية أيضا ، فيحتمل أن يكون «الأمن» عاما يشمل الأمن من عقاب الله ، والأمن من حوادث المجتمع المؤلمة ، والأمن من الحروب والمفاسد ، والجرائم وحتى الأمن النفسي لا يتحقق إلّا عند ما يسود المجتمع مبدءان معا : الإيمان والعدالة الاجتماعية ، فإذا ما تزلزلت قاعدة الإيمان بالله ، وزال الشعور بالمسؤولية أمام الله ، وحل الظلم محل العدالة الاجتماعية ، فلن يكون في مثل هذا المجتمع أمان. لذلك فعلى الرغم من
__________________
(١) تفسير مجمع البيان في تفسير الآية.
(٢) المصدر السابق.