والاجتناب من أحدهما سهل ، ومن الآخر صعب وشاق جدّا ، هذا مضافا إلى أنه ليست فلسفة الحكم الأوّل معلومة لنا بالكامل ، فمثل هذا القياس ليس سوى قياس تخميني لا أكثر.
ولهذا السبب منع أئمّتنا عليهمالسلام من القياس بشدّة ، استلهاما من كلام النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبطلوه ، لأنّ فتح باب القياس يتسبب في أن يعمد كل أحد بالاعتماد على دراسته المحدودة وفكره القاصر وبمجرّد أن يعتبر موضوعين متساويين من بعض الجهات ... أن يعمد إلى إجراء حكم الأوّل على الثاني ، وبهذا تتعرض قوانين الشرع وأحكام الدين إلى الهرج والمرج.
إنّ بطلان القياس عقلا ليس مقصورا على القوانين الدينية فحسب ، فالأطباء هم أيضا يؤكّدون في توصياتهم على أن لا تعطى وصفة أيّ مريض لمريض آخر مهما تشابها من بعض النواحي ، وفلسفة هذا النهي واضحة ، لأنّه قد يتشابه المريضان في نظرنا من بعض النواحي ، ولكن مع ذلك يتفاوتان من جهات عديدة ، مثلا من جهة القدرة على تحمّل الدواء ، وفئة الدم ، ومقدار السكر في الدم ، ولا يستطيع الأشخاص العادّيون من الناس أن يشخّصوا هذه الأمور ، بل تشخيصها يختص بالأطباء وذوي الاختصاص في الطب ، فلو أعطيت أدوية مريض لآخر دون ملاحظة هذه الخصوصيات ، فمضافا إلى احتمال عدم الانتفاع بها ، فإنّها ربّما تكون منشأ لسلسلة من الأخطار غير القابلة للجبران.
والأحكام الإلهية أدقّ من هذه الجهة ، ولهذا جاء في الأحاديث والأخبار أنه لو عمل بالقياس لمحق الدين ، أو كان فساده أكثر من صلاحه (١).
أضف إلى ذلك أنّ اللجوء إلى القياس لاكتشاف الأحكام ومعرفتها دليل على قصور الدين ، لأنّه إذا كان لكل موضوع حكم في الدين لم يكن أية حاجة إلى القياس ، ولهذا فإنّ الشيعة حيث أنّهم أخذوا جميع احتياجاتهم من الأحكام
__________________
(١) وسائل الشيعة ، المجلد ١٨ ، باب القياس.