بِما كانُوا يَفْتَرُونَ).
نعم ، إذا أراد الإنسان ـ بفكره الناقص القاصر ـ أن يضع القوانين والأحكام ، فلا شك أنّ كل طائفة سوف تضع من القوانين ما ينسجم وأهواءهم ومطامعهم ، فيحرمون على أنفسهم أنعم الله دون سبب ، أو يحللون على أنفسهم أفعالهم القبيحة ، وهذا هو سبب قولنا إنّ الله وحده هو الذي يسنّ القوانين لأنّه يعلم كل شيء ويعرف دقائق الأمور ، وهو سبحانه بمعزل عن الأهواء.
الآية التّالية تشير إلى حكم خرافي آخر بشأن لحوم الحيوانات ، يقضي بأنّ حمل هذه الأنعام يختص بالذكور ، وهو حرام على الزوجات ، أمّا إذا خرج ما في بطونها ميتا ، فكلهم شركاء فيه : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ).
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ (هذِهِ الْأَنْعامِ) هي الحيوانات التي ذكرناها من قبل.
يرى بعض المفسّرين أنّ عبارة (ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ) تشمل لبن هذه الأنعام ، ولكن عبارة (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) تبيّن أنّ المقصود هو الجنين الذي إذا ولد حيّا فهو للذكور ، وإنّ ولد ميتا ـ وهو ما لم يكن مرغوبا عندهم ـ فهم جميعا شركاء فيه بالتساوي.
هذا الحكم لا يقوم ـ أوّلا ـ على أي دليل ، وهو ـ ثانيا ـ قبيح وبشع فيما يتعلق بالجنين الميت ، لأنّ لحم الحيوان الميت يكون في الغالب فاسدا ومضرا ، ثمّ هو ـ ثالثا ـ نوع من التمييز بين الرجل والمرأة ، بجعل الطيب للرجال فقط ، وبجعل المرأة شريكة في الفاسد فقط.
ينهي القرآن هذا الحكم الجاهلي ، ويقرر أنّ الله سوف يعاقبهم على هذه الأوصاف ، (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ).
«الوصف» هنا يشير إلى ما كانوا ينسبونه إلى الله ، كأنّ ينسبون إليه تحريم