وهو أنّ عرب الجاهلية كانوا على درجة من التقدير والاحترام لأصنامهم بحيث إنّهم كانوا يصرفون أموالهم الثمينة على تلك الأصنام وعلى خدامها المتنفذين الأثرياء ، ويبقون هم في فقر مدقع إلى الحد الذي كان يحملهم هذا الفقر والجوع على قتل بناتهم.
فهذا التعلق الشديد بالأصنام كان يزين لهم عملهم الشنيع ذاك.
ولكن التّفسير الأوّل ، أي التضحية بأولادهم قربانا للأصنام ، أقرب إلى نص الآية.
ثمّ يوضح القرآن أنّ نتيجة تلك الأفعال القبيحة هي أنّ الأصنام وخدامها ألقوا بالمشركين في مهاوي الهلاك ، وشككوهم في دين الله ، وحرموهم من الوصول إلى الدين الحق : (لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ).
ومع ذلك كله ، فإنّ الله قادر على أن يوقفهم عند حدهم بالإكراه ، ولكن الإكراه خلاف سنة الله ، إنّ الله يريد أن يكون عباده أحرارا لكي يمهد أمامهم طريق التربية والتكامل ، وليس في الإكراه تربية ولا تكامل : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ).
وما دام هؤلاء منغمسين في أباطيلهم وخرافاتهم دون أن يدركوا شناعتها ، بل الأدهى من ذلك أنّهم ينسبونها أحيانا إلى الله ، إذن فاتركهم واتهاماتهم والتفت إلى تربية القلوب المستعدة : (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ).
* * *