الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فاليهود ـ وإن كانوا من أصحاب الكتب السماوية ـ بلغت شدة تعلقهم بالمادة وحبّهم لها أن انخرطوا في سلك المشركين الذين لم يكن يربطهم بهم أي وجه شبه مشترك ، مع أن اليهود في البداية كانوا من المبشرين بمجيء الإسلام ولم تكن قد دخلتهم انحرافات كالتثليث والغلو اللذين كانا عند المسيحيين ، غير أن حبّهم للدنيا حبّ عبادة قد أبعدهم عن الحقّ ، بينما معاصروهم المسيحيون لم يكونوا على هذه المشاكلة.
إلّا أنّ التّأريخ القديم والمعاصر يقول لنا : أنّ المسيحيين في القرون التي أعقبت ذلك قد ارتكبوا بحق الإسلام والمسلمين جرائم لا تقل عمّا فعله اليهود في هذا المجال.
إنّ الحروب الصليبية الطّويلة والدّموية في القرون الماضية ، والاستفزازات الكثيرة التي يقوم بها الاستعمار ضد الإسلام والمسلمين اليوم غير خافية على أحد ، لذلك ليس لنا أن نأخذ الآيات المذكورة مأخذ قانون عام بالنسبة لجميع المسيحيين ، بل إنّ الآية : (إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ...) وما بعدها دليل على إنّها نزلت بحق جمع من المسيحيين الذين كانوا يعاصرون رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
الآيتان الأخيرتان فيهما إشارة إلى مصير هاتين الطائفتين وإلى عقابهما وثوابهما ، أولئك الذين أظهروا المودة للمؤمنين وخضعوا لآيات الله وأظهروا إيمانهم بكل شجاعة وصراحة : (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) (١).
وأمّا أولئك الذين ساروا في طريق العداء والعناد فتقول الآية عنهم : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ).
* * *
__________________
(١) «أثابهم» من الثواب ، وهي في الأصل بمعنى العودة وما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله.