وجَفوننِي بعد الوصالِ فلا |
|
هَديٌ يقرِّبني ولا نحرُ |
وهجرن بيتي أن يطفنَ به |
|
ولهنَّ في هجرانِه عذرُ |
ذهبت نضارةُ منظري وبدا |
|
في جنحِ ليلِ عذاريَ الفجرُ |
وإذا الفتى ذهبتْ شبيبتُه |
|
فيما يضرُّ فربحُه خسرُ |
وعليه ما اكتسبتْ يداه إذا |
|
سكنَ الضريحَ وضمّه القبرُ |
وإذا انقضى عمرُ الفتى فرطاً |
|
في كسبِ معصيةٍ فلا عمرُ |
ما العمرُ إلاّ ما به كثُرتْ |
|
حسناتُه وتضاعفَ الأجرُ |
ولقد وقفتُ على منازلِ من |
|
أهوى وفيضُ مدامعي غمرُ |
وسألتُها لو أنّها نطقتْ |
|
أم كيف ينطقُ منزلٌ قفرُ |
يا دارُ هل لكِ بالأُلى رحلوا |
|
خَبرٌ وهل لمعالمٍ خُبرُ |
أين البدورُ بدورُ سعدِك يا |
|
مغنى وأين الأنجمُ الزهرُ |
أين الكفاةُ ومن أكفُّهم |
|
في النائبات لمُعسرٍ يسرُ |
أين الربوعُ المخصباتُ إذا |
|
عفتِ السنون وأعوز البشرُ |
أين الغيوث الهاطلات إذا |
|
بخل السحابُ وأَنجمَ القطرُ (١) |
ذهبوا فما وأبيك بعدهمُ |
|
للناس نيسانٌ ولا غمرُ |
تلك المحاسنُ في القبورِ على |
|
مرِّ الدهور هوامدٌ دثرُ |
أبكي اشتياقاً كلّما ذُكِروا |
|
وأخو الغرام يهيجُه الذكرُ |
ورجوتهم في منتهى أجلي |
|
خلفاً فأخلف ظنّيَ الدهرُ |
فأنا الغريبُ الدارِ في وطني |
|
وعلى اغترابي ينقضي العمرُ |
يا واقفاً في الدارِ مفتكراً |
|
مهلاً فقد أودى بك الفكرُ |
إن تُمسِ مكتئباً لبينهمُ |
|
فعقيب كلِّ كآبةٍ وَزرُ (٢) |
__________________
(١) أنجم المطر : أقلع.
(٢) الوزر ـ بفتح الواو وتاليها ـ : الملجأ. (المؤلف)