سمّى عليّا أبا تراب أنَّه كان إذا عتب على فاطمة في شيء لم يكلّمها ، ولم يقل لها شيئاً تكرهه إلاّ أنّه يأخذ تراباً فيضعه على رأسه ، قال : فكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا رأى عليه التراب عرف أنّه عاتب على فاطمة فيقول : ما لك يا أبا تراب؟
قال الأميني : إن هي إلاّ نفثات قوم حنّاق لفظتها رمية القول على عواهنه تلويثاً لقداسة أمير المؤمنين ، وتشويهاً لعشرته الحميدة مع حليلته المطهّرة ، وفيها حطّ للصدّيق الأكبر والصدّيقة الكبرى عن مكانتهما الراقية في مكارم الأخلاق ، وقد أثمر اليوم ما بذرته أمس يد الإحن والشحناء من تلكم المفتعلات حتى سوّد مؤلّف اليوم صحائف تاريخه (١) بقوله : وكان عليّ يحرد بعد كلّ منافرة ويذهب لينام في المسجد ، وكان حموه يربته على كتفه ويعظه ويوفّق بينه وبين فاطمة إلى حين ، وممّا حدث أن رأى النبيُّ ابنته في بيته ذات مرّة وهي تبكي من لَكمِ عليّ لها. انتهى.
وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري : كان بنو أُميّة تنقِّص عليّا عليهالسلام بهذا الاسم الذي سمّاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويلعنونه على المنبر بعد الخطبة مدّة ولايتهم ، وكانوا يستهزئون به وإنّما استهزؤوا الذي سمّاه به ، وقد قال الله تعالى : (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) (٢) الآية.
وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة (٣) (ص ٤) : والذي ذكره الحاكم صحيح فإنّهم ما كانوا يتحاشون من ذلك بدليل ما روى مسلم عن سعد بن أبي وقّاص : أنّه دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال : ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ الحديث (٤).
__________________
(١) راجع الجزء الثالث : ص ١٧ من كتابنا هذا. (المؤلف)
(٢) التوبة : ٦٥ ـ ٦٦.
(٣) تذكرة الخواص : ص ٦.
(٤) راجع تمام الحديث في الجزء الثالث من كتابنا هذا : ص ٢٠٠. (المؤلف)