صورة أخرى للبخاري :
قال شقيق : كنت عند عبد الله وأبي موسى ، فقال له أبو موسى : أرأيت يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع؟ فقال عبد الله : لا يصلّي حتى يجد الماء.
قال أبو موسى : فكيف تصنع بقول عمّار حين قال له النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كان يكفيك»؟ قال : أوَلم ترَ أنّ عمر لم يقنع منه بذلك؟ فقال له أبو موسى : فدعنا من قول عمّار ، كيف تصنع بهذه الآية؟ فما درى عبد الله ما يقول ، فقال : إنّا لو رخّصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمّم ، فقلت لشقيق : فإنّما كره عبد الله لهذا؟ قال : نعم (١).
ما أرأف هذا القائل بالجنب الفاقد للماء وأشفقه عليه إذ رأى له ترك الصلاة ولو لم يجد الماء شهراً! وما أقساه على من برد عليه الماء وأوشك أن يتيمّم! فنهى عن التيمّم شدّةً على هذا ورأفةً بذاك ، فكأنّ ترك الجنب الفاقد للماء الصلاة وإعراضه عمّا في الكتاب والسنّة أخفُّ وطأة عنده من تيمّم من اتّخذ البرد عذراً وترك الغسل ، وكأنّه أعرف بصالح المجتمع الدينيِّ من مشرِّع الدين لهم ، وكأنّه يرى أنّ الشارع الأقدس فاتته رعاية ما تنبّه له من المفسدة من التيمّم عند برد الماء فتداركه هذا الفقيه الضليع في الفقاهة برأيه الفطير وحجّته الداحضة ، وكأنّه وكأنّه ....
__________________
(١) صحيح البخاري : ١ / ١٢٨ ، ١٢٩ [١ / ١٣٣ ح ٣٣٩] ، صحيح مسلم : ١ / ١١٠ [١ / ٣٥٤ ح ١١ كتاب الحيض] ، سنن أبي داود : ١ / ٥٣ [١ / ٨٧ ح ٣٢١] ، وفي تيسير الوصول : ٣ / ٩٧ [٣ / ١١٤] : أخرجه الخمسة إلاّ الترمذي ، سنن البيهقي : ١ / ٢٢٦. (المؤلف)