حيثُ ولّى بعضهم الأدبار ، ثم ألم يسمع هذا الزاعم بالرزية كل الرزيّة على حدّ تعبير حبر الاُمّة عبد الله بن عباس ؟! وذلك : أن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم طلب دواةً ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده ـ على حد تعبيره صلوات الله وسلامه عليه ـ فاختلفوا وتنازعوا ، وقالوا قولةً منكرة : إنه هَجَرَ ، حتى اضطر أنصاره فلطفوها بعبارة ( قد غلبَ عليه الوجع ) ، وإليك ذلك في صحاحهم :
جاء في صحيح البخاري « لما حُضر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده » ، فقال عمر : إنَّ النبي قد غَلَبَ عليه الوجع وعندكم القرآن : حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل الدار فاختصموا ، منهم من يقول قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم « قوموا ... » (١).
ثم أين صاحب الإشكال من قضية سرية أُسامة ، ومخالفتهم له صلىاللهعليهوآلهوسلم في أكثر من مورد فيها ، حتى اضطر صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أن يخرج وهو في شدة مرضه ويجمعهم ويخطب فيهم قائلاً : « أنفذوا جيش اُسامة ، لعن الله من تخلّف عن جيش اُسامة » (٢).
وأما مخالفاتهم بعد موته صلوات الله وسلامه عليه وآله وتبديلهم
__________________
(١) صحيح البخاري ١ : ٣٧ كتاب العلم و ٨ : ١٦١ كتاب الاعتصام و ٦ : ١١ ـ ١٢. وصحيح مسلم ٣ : ١٢٥٧ / ١٦٣٧ آخر الوصية. ومسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٢.
(٢) الملل والنحل ، للشهرستاني ١ : ٢٩. وقريباً منه في : الطبقات الكبرى ، لابن سعد ٢ : ٢٤٨. والكامل في التأريخ ، لابن الاثير ٢ : ٢١٨. ومغازي الواقدي ٢ : ١١٢١.