مقدمة المركز
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة
والسلام علىٰ نبينا محمّد وآله الطاهرين.. وبعد..
يثير الحديث عن مقومات المنهج التربوي
السليم الذي تحتاجه الأُمّة ، ودور المبادئ والخلفيات الفلسفية للمناهج التربوية السائدة في واقعنا أسئلة شتّىٰ ؛ لأنّ
ما أفرزته تجارب الفكر المعاصر في الحقل التربوي من مشاكل ، وما طرحه التطبيق الفعلي لبرامجه
التربوية من أسئلة عديدة ونقاط فراغ لم تُملأ إلىٰ الآن ، وما قُدِّم علىٰ هذا
الصعيد من حلول.. أدلة كافية علىٰ مرحلية تلك المناهج ، وعدم صلاحيتها للامتداد وإثراء المسيرة الإنسانية
بما ينسجم وفطرة الإنسان وتطلعه نحو الكمال ، وعدم كفائتها في اكساب الواقع الاجتماعي قدرة
علىٰ النمو والتطور ، مما أدّىٰ إلىٰ ظهور أصوات عديدة تدعو إلىٰ ضرورة
إعادة النظر في تلك البرامج ولزوم تعديلها.
وللأسف الشديد إن حال المناهج التربوية
السائدة في المجتمعات الإسلامية لاسيما التي تُدرّس على مستوى الجامعات لم تكن بأوفر حظاً من تلك المناهج ، لأنها ما بين مجرّد
تغطية للفكر العلماني باعتماد اُطر منهجية في ترسيخه علىٰ حساب الفكر الإسلامي ، وما
بين كونها محدّدة بقرارات سياسية صارمة لا تتيح لأفراد الأمة حرية النقد والاختيار ؛ خدمة
لأهداف أيديولوجية معينة تسعى السلطة لتحقيقها ، حتىٰ عاد المنهج التربوي في أكثر
البلاد الإسلامية حارساً للنظام القائم في هذا القطر أو ذاك.
وهكذا أهملت المقومات الحقيقية للمنهج
التربوي ، فطبيعة الإنسان ، وفطرته ، وميوله ، وغرائزه ، وحبّه لذاته ، وما يعتريه من أدوار مختلفة من الطفولة إلى الهرم ، ونوع
ارتباطه مع العالم الخارجي ، وفلسفته في الوجود ، أمور خطيرة تفرض نفسها علىٰ واقع كل
عملية تربوية ، الأمر الذي يُفترض معه امتلاك المُقَنِّن التربوي الصورة الواضحة للنفس البشرية ، وتشخيص
مشاكلها بدقّة ، مع الاحاطة بسائر العوامل الأساسية والثانوية المؤثرة في البناء
التربوي ؛ لتكون برامجه ناجعة ومتينة ، وإلّا صارت مواقع الكيان التربوي ساحة لتخبط العاملين
فيها ، خصوصاً إذا ما كانت تلك المناهج قائمة علىٰ مفاهيم فلسفية أجنبية مبتنية على
أساس فصل الدين عن الدولة.
والمنهج الذي لا يمتلك من سعة الأهداف
الخيرة ما ينبغي ، ولا من دقّة التشخيص ما يكفي ، ولا من وضوح الرؤية لحياة الفرد والمجتمع ما يجب ، فكيف ينفذ إلى أعماق
النفس البشرية حتىٰ يصير لها خلقاً وملكة ، وهو لم يتفاعل مع وجدانها ولم يتّحد مع
وجودها. والمنهج الذي ينطلق من تنمية الاحساس بالقومية أو الطائفية ولم يرتكز علىٰ روحانية
الإسلام ، أو من الاحتفاء بالسلطة تارة ، أو المادة أخرىٰ مع تهميش دور
القيم الإنسانية النبيلة ، ولا يضع في حساباته دور المنظومة الأخلاقية في البناء التربوي ، كيف
يخلق من الأمة شخصية متزنة قادرة علىٰ تشخيص أخطائها وتصحيح مسيرتها وتحمل مسؤوليتها
في حاضرها ومستقبلها ؟
وفي ضوء ما تقدم يتضح أنّ المنهج
التربوي الصحيح هو ما تجاوز حدود الزمان والمكان ،