حق على آخر. والمنهج التربوي الموجه للإنسان
والمجتمع نحو الآخرة يوازن بين طلب الدنيا وطلب الآخرة ، فلا يمنع من التمتع بالطيبات الدنيوية كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن والاشباع العاطفي والجنسي ؛ لأنّ الحرمان منها يولد القلق والاضطراب ، وإنما يضع القيود علىٰ تلك الطيبات ، ويوجه الإنسان في نفس الوقت إلى الاعداد للدار الآخرة بالالتزام بالأوامر والنواهي الإلهية ، فلا يطغىٰ
طلب الدنيا علىٰ طلب الآخرة بالانغماس بالطيبات والملذات دون قيود أو حدود ،
ولايطغىٰ طلب الآخرة علىٰ طلب الدنيا بحرمان الإنسان من متعها
المشروعة. قال الإمام موسىٰ بن جعفر الكاظم عليهالسلام : « اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات : ساعة لمناجاة الله ، وساعة لأمر المعاش ، وساعة لمعاشرة الاخوان والثقات الذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن ، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرّم ، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات » (١). وقال العلاء بن زياد لأمير المؤمنين عليهالسلام : أشكو إليك أخي
عاصم ، قال : وما له ؟ قال : لبس العباءة وتخلىٰ عن الدنيا ، قال : عَلَيّ به ، فلما جاء قال عليهالسلام : « يا عَدِيَّ نفسه !
لقد استهام بك الخبيث ! أما رحمت أهلك وولدك ! أترى الله أحل لك الطيبات ، وهو يكره أن تأخذها ! أنت أهون على الله من ذلك ». قال : يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في
خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك ! قال : « ويحك ، إنّي لست كأنت ، إنّ الله فرض علىٰ أئمة العدل
أن يقدّروا _______________________
(١) تحف العقول : ص ٣٠٧.