قال : والتَّفْسِيرُ : أنَّه اخْتَارَ منهم سبعين رجلاً.
وإنما اسْتُجِيزَ وقوعُ الفِعْل عليهم ـ إذا طُرِحَتْ «مِنْ» لأنه مأخوذٌ من قولك : هؤلاء خَيْرُ القوم ، وخَيْرٌ مِنَ القَوْمِ.
فلمَّا جازَتِ الإضَافَةُ مَكَانَ «مِنْ» ولم يتغَيَّرِ المعنَى استجَازُوا أَنْ يقولوا : اخْتَرْتُكُمْ رَجُلاً ، واخْتَرْتُ منكم رجلاً.
وأنشد :
تَحتَ الَّتي اخْتَارَ لهُ الله الشَّجَرْ
يريد : اخْتَارَ الله له من الشَّجر.
وقال أبو العبَّاس : إنَّما جاز هذا .. لأنَّ الاخْتِيَارَ يدلُّ على التَّبعيض.
ولذلك حُذِفَتْ «مِنْ».
وفي حديثٍ آخَرَ : «رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ، فَلَمْ أَرَ مِثْلَ الْخَيْرِ والشَّرِّ».
قال شمرٌ : مَعناه ـ والله أعلم ـ : لم أر مثلَ الخير والشرِّ لا يُمَيَّز بينهما فَيُبَالَغُ في طلب الجنَّة والهرَبِ من النار.
وقال أبو زيد : يقال : «إنَّكَ ما وَخَيْراً» أي : إنَّكَ على خَيْرٍ.
وقال الليث : الْخِيرَةُ ـ خفيفةٌ ـ : مَصْدَرُ «اخْتَارَ» خِيرَةً ـ مِثْلُ ارْتَابَ رِيبَةً.
قال : وكل مَصْدَرٍ يكون لِ «أَفْعَلَ» ، فاسْمُ مصدره «فَعَالٌ» ، نحو أَفَاقَ يُفيقُ فَوَاقاً ، وأصَابَ يُصيبُ صَوَاباً ، وأَجَابَ يُجِيبُ جَوَاباً.
أقيم الاسمُ مُقَامَ المصدر.
وكذلك عذَّبَ عَذَاباً.
قلتُ : قرأ القُرَّاءُ : (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) [الأحزاب : ٣٦] بفتح الياء.
ومثله : سَبْيٌ طِيَبَةٌ ـ إذا حَلَّ استِرْقَاقُه.
ورَوَى الحرَّانِيُّ ـ عن ابن السكِّيت ـ يقال : مُحَمَّدٌ خِيرَةُ الله مِنْ خَلْقِه.
وتقول : «إيَّاكَ والطِّيَرَةَ» .. وسَبْيٌ طِيَبَةٌ.
وقال الزَّجَّاجُ : الْخِيَرَةُ التَّخْيِيرُ.
وقال الفرَّاءُ ـ في قول الله جلّ وعزّ : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) [القَصَص : ٦٨] أي : ليس لهم أن يَخْتَارُوا على الله.
قال : ويقال : الخِيْرَةُ والخِيَرَةُ والطِّيْرَةُ والطِّيَرَةُ.
قال : والعَرَب تقول : أعْطِني الْخَيْرَةَ منهنَّ ، والْخِيْرَةَ والْخِيَرَةَ.
كل ذلك : لما تَخْتَارُهُ مِنْ رجل أو امرأة أو بَهيمةٍ ـ تصلح إحدى هؤلاء الثلاثة.
أبو عبيدٍ ـ عن أبي زيد ـ قال : الاسْتِخَارَةُ أَن تَسْتَعْطِفَ الإنسانَ وتَدْعُوَه إليك.
وأنشد :
لَعَلَّكَ إمَّا أُمُّ عَمْرٍو تَبَدَّلَتْ |
سِواكَ خَلِيلاً شَاتِمِي تَسْتَخِيرُها |
ويقال : اسْتَخَرْتُ فلاناً فما خَارَ لي ـ أي : فما عَطَفَ.
والأصلُ في هذا : أنَّ الصَّائِدَ يأتي المَوْضِعَ الذي يَظُنُّ فيه ولَدَ الظَّبية ، أو البقرَة الوحِشيَّة ، فَيَخُورُ خُوَارَ الْغَزَال فتَسْتَمِعُ الأُمُّ ، فإن كان لها ولَدٌ ، ظنَّتْ أنَّ الصوتَ صوتُ ولَدِها .. فتَتْبَعُ الصوت ،