أراد بالنّات الناس فحول السين تاء ، وقال الآخر :
[٧١] يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم |
|
أمّ الهنيبر من زند لها واري |
وهي جملة خبرية ، فدلّ على أنه لا فرق في ذلك بين الجملة الأمرية والخبرية ؛ فوجب أن يكون المنادى محذوفا في قولهم «يا نعم المولى ويا نعم النّصير».
والذي يدلّ على فساد ما ذهبوا إليه أنا أجمعنا على أن الجمل لا تنادى ؛ وأجمعنا على أن «نعم الرّجل» جملة ، وإن وقع الخلاف في نعم هل هي اسم أو فعل ، وإذا امتنع للإجماع قولنا «يا زيد منطلق» فكذلك يجب أن يمتنع «يا نعم الرجل» إلا على تقدير حذف المنادى على ما بينّا.
وأما قولهم «إن النداء لا يكاد ينفك عن الأمر أو ما جرى مجراه ، ولذلك لا
______________________________________________________
و «قبح الله فلانا» أي نحاه وأبعده عن الخير ، ويروى «يا قاتل الله» وهو دعاء بالهلكة ، و «السعلاة» بكسر السين وسكون العين المهملة ـ أنثى الغول ، ويقال : هي ساحرة الجن ، وقد زعموا أن عمرو بن يربوع تزوج سعلاة فأقامت دهرا في بني تميم وأولدها عمرو أولادا ، و «عمرو بن يربوع» قالوا : هو بدل من السعلاة ، ولو جعلته معطوفا عليه بعاطف محذوف لم تكن قد أبعدت ، و «النات» أراد به الناس ، و «أكيات» أراد به الأكياس : جمع كيس ، وهو الحاذق الفطن. ومحل الاستشهاد به ههنا قوله «يا قبح الله» حيث اقترن حرف النداء بجملة فعلية دعائية ، وقد اتفق الفريقان على أن المنادى لا يكون جملة ؛ فلزمهما جميعا أن يقدرا اسما مفردا ليكون هو المنادى بهذا الحرف ، وأصل الكلام عندهم : يا قوم قبح الله ، أو يا هؤلاء قبح الله ، وما أشبه ذلك. وهذا أحد توجيهين في هذا البيت ونحوه ، والثاني : أن «يا» ههنا حرف تنبيه ، لا حرف نداء ، وحرف التنبيه يدخل على الجمل الفعلية والاسمية ، ونظير هذا البيت قول جرير :
يا حبذا جبل الريان من بلد |
|
وحبذا ساكن الريان من كانا |
وقول الفرزدق :
يا أرغم الله أنفا أنت حامله |
|
يا ذا الخنى ومقال الزور والخطل |
[٧١] هذا البيت للقتال الكلابي ، واسمه عبيد بن المضرجي ، وقد أنشده ابن منظور (ه ن ب ر) ونسبه إليه ، وأنشد بعده :
من كل أعلم مشقوق وتيرته |
|
لم يوف خمسة أشبار بشبار |
وقال بعد إنشاد البيتين «ويروى يا قبح الله ضبعانا ، وفي شعره : من زند لها حاري ، والحاري : الناقص ، والواري : السمين ، والأعلم : المشقوق الشفة العليا ، والوتيرة : إطار الشفة ، وأبو الهنبر : الضبعان ، ثم قال : وأم الهنبر : الضبع ، وقيل : هي الحمارة الأهلية ، والهنبر ـ بوزن الخنصر ، بكسر أوله وثالثه ـ ولد الضبع ، ويقال الهنبر الجحش» اه. ومحل الاستشهاد قوله «يا قاتل الله ـ الخ» والقول فيه كالقول في الشاهد السابق.