أراد بئس مقام الشيخ مقولا فيه أمرس ، أمرس ، ذمّ مقاما يقال له ذلك فيه ، و «أمرس» أعد الحبل إلى موضعه من البكرة.
وإنما جاءت هذه الأشياء في غير أماكنها لسعة اللغة ؛ وحسّن ذلك ما ذكرناه من إضمار القول ؛ فدلّ على أن ما تمسّكوا به من دخول حرف الجر عليهما ليس بحجة يستند إليها ، ولا يعتمد عليها.
وأما قولهم «إن العرب تقول : يا نعم المولى ويا نعم النصير» فنقول : المقصود بالنداء محذوف للعلم به ، والتقدير فيه : يا الله نعم المولى ونعم النصير أنت.
وأما قولهم : «إن المنادى إنما يقدر محذوفا إذا ولي حرف النداء فعل أمر» فليس بصحيح ؛ لأنه لا فرق بين الفعل الأمريّ والخبريّ في امتناع مجيء كل واحد منهما بعد حرف النداء ، إلا أن يقدّر بينهما اسم يتوجه النداء إليه ، والذي يدلّ على أنه لا فرق بينهما مجيء الجملة الخبرية بعد حرف النداء بتقدير حذف المنادى كما
______________________________________________________
المهملة ـ هو أحد خشبتين يكتنفان البكرة وفيهما المحور ، وهما قعوان ، وقيل : القعوان الحديدتان اللتان تجري البكرة بينهما ، وقال الأصمعي : إذا كان ما تجري البكرة وتدور فيه من حديد فهو خطاف ، وإن كان من خشب فهو القعو ، واقعنسس : تأخر وارجع إلى خلف ، ومعنى قوله «إما على قعو وإما اقعنسس» قال ابن منظور : إن استقى المستقي ببكرة فوق حبلها في غير موضعه قيل له : أمرس ، أي أعد حبلك إلى موضعه ، وإن كان يستقي بغير البكرة ومتح حتى أوجعه ظهره فيقال له : اقعنسس واجذب الدلو ، والاستشهاد بالبيت في قوله «بئس مقام الشيخ أمرس أمرس» فإن قوله «أمرس» جملة إنشائية لكونها مؤلفة من فعل أمر وفاعله وهو الضمير المستتر فيه وجوبا ، وقد وقعت هذه الجملة حالا في ظاهر الأمر ، ولما كان العلماء لا يجيزون مجيء الجملة الإنشائية حالا ، إلا من لا يعتد بقوله ، فقد جعلوا هذه الجملة معمولة لعامل محذوف هو الذي يقع حالا ، وتقدير الكلام : بئس مقام الشيخ مقولا فيه : أمرس أمرس ، وصاحب الحال هو قوله «الشيخ» المضاف إليه ، وفي كلام ابن منظور ما يفيد أن هذه الجملة الإنشائية معمولة لعامل محذوف يقع نعتا لمخصوص بالذم ، وكأنه قال : بئس مقام الشيخ مقام مقول له فيه أمرس أمرس ، وهو كلام مستقيم ؛ فإن مجيء بئس وقائلها في أول الكلام يرشح لمجيء المخصوص بالذم ؛ لأنه هو الذي جرت عادتهم في هذا الأسلوب أن يأتوا به ، ولو قلت : إن هذه الجملة معمولة لقول محذوف يقع تمييزا ، وإن التقدير : بئس مقام الشيخ مقاما مقولا فيه أمرس أمرس ، لم تكن قد أبعدت ، والاستشهاد على أية هذه الأحوال الثلاثة جار مؤد للغرض الذي يريده المؤلف ، فإنه يقصد إلى أن يقول : إن من سنن العرب في كلامهم أن يحذفوا الكلمة من الكلام ـ وخاصة ما كان من مادة القول ـ وهم يريدونها ، وإن ذلك واقع في أساليب كثيرة من أساليبهم.