وقد بيّنا فساد ذلك مستقصى في مسألة المبتدأ والخبر ؛ فلا نعيده هاهنا.
وأما قولهم «لو كان الفعل هو العامل في المفعول لكان يجب أن يليه ولا يفصل بينه وبينه» قلنا : هذا يبطل بإنّ ؛ فإنا أجمعنا على أنه يجوز أن يقال «إن في الدار لزيدا ، وإن عندك لعمرا» قال الله سبحانه : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) [البقرة : ٢٤٨] وقال [٤٢] تعالى : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) [المزمل : ١٢] فنصب الاسم بإنّ وإن لم تله فكذلك هاهنا ؛ وإذا لم يلزم ذلك في الحرف ـ وهو أضعف من الفعل ؛ لأنه فرع عليه في العمل ـ فلأن لا يلزم ذلك في الفعل وهو أقوى كان ذلك من طريق الأولى ، على أنا نقول : إن الفعل قد ولي المفعول ؛ لأن الفعل لما كان أقوى من حرف المعاني صار يعمل عملين ؛ فهذا بذاته رافع للفاعل وناصب للمفعول ؛ لزيادته على حروف المعاني ؛ فتقديره تقدير ما عمل وليس بينه وبين معموله فاصل ، وإذا لم يكن بينه وبين معموله فاصل بان أنه قد وليه العامل (١) ، فدل على أن العامل هو الفعل وحده.
وأما ما ذهب إليه الأحمر من إعمال معنى المفعولية والفاعلية فظاهر الفساد ؛ لأنه لو كان الأمر كما زعم لوجب أن لا يرتفع ما لم يسمّ فاعله نحو «ضرب زيد» لعدم معنى الفاعلية ، وأن ينصب الاسم في نحو «مات زيد» لوجود معنى المفعولية ، فلما ارتفع ما لم يسمّ فاعله مع وجود معنى المفعولية وارتفع الاسم في نحو «مات زيد» مع عدم معنى الفاعلية ؛ دل على فساد ما ذهب إليه. والله أعلم.
__________________
(١) كذا ، ولعل الصواب «بان أنه قد وليه المعمول».