والوجه الرابع : أنهم قالوا «حبّذا» فركبوا حبّ وهو فعل مع ذا وهو اسم ؛ فصارا بمنزلة شيء واحد ، وحكم على موضعه بالرفع على الابتداء.
والوجه الخامس : أنهم قالوا في النسب إلى كنت «كنتيّ» فأثبتوا التاء (١) ولو لم يتنزل ضمير الفاعل منزلة حرف من نفس الفعل وإلا لما جاز إثباتها.
والوجه السادس : أنهم قالوا «زيد ظننت منطلق» فألغوا ظننت ، ولو لا أن الجملة من الفعل [٤١] والفاعل بمنزلة المفرد وإلا لما جاز إلغاؤها ؛ لأن العمل إنما يكون للمفردات لا للجمل.
والوجه السابع : أنهم قالوا للواحد «قفا» على التثنية ؛ لأن المعنى قف قف ، قال الله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) [ق : ٢٤] فثنى وإن كان الخطاب لملك واحد وهو مالك خازن النار ؛ لأن المعنى : ألق ألق ، والتثنية إنما تكون للأسماء لا للأفعال ؛ فدل على أن الفاعل مع الفعل بمنزلة الشيء الواحد.
وإذا كان الفعل والفاعل بمنزلة الشيء الواحد ، وكان المفعول لا يقع إلا بعدهما ؛ دلّ على أنه منصوب بهما ، وصار هذا كما قلتم في الابتداء والمبتدأ إنهما يعملان في الخبر ؛ لأنه لا يقع إلا بعدهما. والذي يدل على أنه لا يجوز أن يكون الناصب للمفعول هو الفعل وحده أنه لو كان هو الناصب للمفعول لكان يجب أن يليه ، ولا يجوز أن يفصل بينه وبينه ؛ فلما جاز الفصل بينهما دل على أنه ليس هو العامل فيه وحده ، وإنما العامل فيه الفعل والفاعل.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إن الناصب للمفعول هو الفعل دون الفاعل وذلك لأنا أجمعنا على أن الفعل له تأثير في العمل ، أما الفاعل فلا تأثير له في العمل ؛ لأنه اسم ، والأصل في الأسماء أن لا تعمل ، وهو باق على أصله في الاسمية ؛ فوجب أن لا يكون له تأثير في العمل ، وإضافة ما لا تأثير له في العمل إلى ما له تأثير ينبغي أن يكون لا تأثير له.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إن الناصب للمفعول الفعل والفاعل لأنه لا يكون إلا بعدهما ـ إلى آخر ما قرروا» قلنا : هذا لا يدل على أنهما العاملان فيه ؛ لما بيّنا أن الفاعل اسم ، والأصل في الأسماء أن لا تعمل ، وبهذا يبطل قول من ذهب منهم إلى أن الفاعل وحده هو العامل ، والكلام عليه كالكلام على من ذهب من البصريين إلى أن الابتداء والمبتدأ يعملان في الخبر لهذا المعنى ،
__________________
(١) مثل ما في قول الشاعر :
فأصبحت كنتيا ، وأصبحت عاجنا |
|
وشر خصال المرء كنت وعاجن |