وذلك لا يجوز ، ألا ترى أنك لو قلت «أكرمت زيدا وأعطيت عمرا العاقلين» لم يجز أن تنصبه على الوصف ؛ لأنك تجعله منصوبا من وجهين ، وذلك لا يجوز ، فكذلك هاهنا.
والوجه الثاني : أن النصب الذي فاض من المحل إلى الاسم لا يخلو : إما أن يكون نصب المحل ، أو نصب العامل ؛ فإن قلتم نصب الظرف فقولوا إنه منصوب بالظرف ، وهذا ما لا يقول به أحد ؛ لأنه لا دليل عليه ، وإن قلتم إنه نصب العامل فقد صح قولنا : إن العامل يتعدّاه إلى ما بعده ويبطل عمله.
وأما اعتراضهم على الوجه الثاني : قولهم «إن بك مع [٢٩] الإضافة إلى الاسم لا يفيد ، بخلاف قولك في الدار إذا أضيف إليه الاسم فإنه يفيد» فباطل أيضا ؛ وذلك لأنه لو كان عاملا لما وقع الفرق بينهما في هذا المعنى ، ألا ترى أن قولك «ضارب زيد» لا يفيد ، و «سار زيد» يفيد ، ومع هذا فكل منهما عامل كالآخر ، فكذلك كان ينبغي أن يكون هاهنا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إن الأصل في قولك أمامك زيد وفي الدار عمرو : حلّ أمامك زيد ، وحلّ في الدار عمرو ؛ فحذف الفعل ، واكتفى بالظرف منه» قلنا : لا نسلم ؛ أنّ التقدير في الفعل التقديم ، بل الفعل وما عمل فيه في تقدير التأخير ؛ وتقديم الظرف لا يدل على تقديم الفعل ؛ لأن الظرف معمول الفعل ، والفعل هو الخبر ، وتقديم معمول الخبر لا يدل على أن الأصل في الخبر التقديم ، ولأن المبتدأ يخرج عن كونه مبتدأ بتقديمه ، ألا ترى أنك تقول «عمرا زيد ضارب» ولا يدل ذلك على أن الأصل في الخبر التقديم وإن كان يجوز تقديمه على المعمول ، فكذلك هاهنا ، والذي يدل على أن الفعل هاهنا في تقدير التأخير والاسم في تقدير التقديم مسألتان ؛ إحداهما : أنك تقول «في داره زيد» ولو كان كما زعمتم لأدّى ذلك إلى الإضمار قبل الذكر ، وذلك لا يجوز ، والثانية : أنا أجمعنا على أنه إذا قال «في داره زيد قائم» فإن زيدا لا يرتفع بالظرف ، وإنما يرتفع عندكم بقائم ، وعندنا يرتفع بالابتداء ، ولو كان مقدّما على زيد لوجب أن لا يلغى.
وأما قولهم «إنّ الفعل غير مطلوب» قلنا : لو كان الفعل غير مطلوب ولا مقدر لأدّى ذلك إلى أن يبقى الظرف منصوبا بغير ناصب ، وذلك لا يجوز ، وسنبين فساد ذلك في موضعه.
وأما قولهم «إن سيبويه يساعدنا على أن الظرف يرفع إذا وقع خبرا لمبتدأ ، أو صفة لموصوف ، أو حالا لذي حال ، أو صلة لموصول ، أو معتمدا على همزة