وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إن هذه اللام ليست لام الابتداء ؛ لأن الابتداء يوجب الرفع ، وهذه اللام يجوز أن يليها المفعول الذي يجب له النصب ، نحو قولهم «لطعامك زيد آكل» قلنا : الأصل في اللام هاهنا أن تدخل على زيد الذي هو المبتدأ ، وإنما دخلت على المفعول الذي هو معمول الخبر لأنه لما قدّم في صدر الكلام وقع موقع المبتدأ ؛ فجاز دخول اللام عليه ؛ لأن الأصل في هذه اللام أن تدخل على المبتدأ ، فإذا وقع المفعول موقعه جاز أن تدخل هذه اللام عليه كما تدخل على المبتدأ ، وإذا جاز دخول هذه اللام على معمول الخبر إذا وقع موقعه ، كقولك «إنّ زيدا لطعامك آكل» وكقول الشاعر :
[٢٦٠] إنّ امرأ خصّني عمدا مودّته |
|
على التّنائي لعندي غير مكفور |
وإن كان الأصل فيها أن تدخل ـ بعد نقلها عن الاسم ـ على الخبر لا على معموله ؛ لوقوعه موقعه (١) ، فكذلك يجوز دخول هذه اللام على المفعول إذا وقع موقع المبتدأ ، وإن كان الأصل فيها أن تدخل على المبتدأ ؛ لوقوعه موقعه ، والله أعلم.
______________________________________________________
إن ما قل منك يكثر عندي |
|
وكثير ممن يحب القليل |
وموطن الاستشهاد بالبيت قوله «وكلا ليس منك قليل» فإن المؤلف قد ذهب إلى أن «كلا» في هذه العبارة بمعنى حقا ، وهذا شيء قاله الكسائي ومتابعوه ، فأما سيبويه والخليل والمبرد والزجاج وأكثر البصريين فقالوا : إن كلا حرف معناه الردع والزجر ، لا معنى له عندهم إلا ذلك ، وقال الكسائي : قد يخرج «كلا» عن الردع والزجر فيكون بمعنى حقا ، وقال أبو حاتم ومتابعوه : قد يخرج كلا عن معنى الردع والزجر فيكون بمعنى «ألا» الاستفتاحية ، وقال النضر بن شميل والفراء ومن تابعهما : قد يخرج كلا عن معنى الردع والزجر فيكون حرف جواب بمعنى إي ونعم ، وحمل هؤلاء على ذلك قول الله تعالى : (كَلَّا وَالْقَمَرِ) فقالوا : المراد ـ والله أعلم ـ إي والقمر.
[٢٦٠] هذا البيت من كلام أبي زبيد الطائي من كلمة يمدح فيها الوليد بن عقبة ، ويصف نعمة أنعمها عليه مع بعده وتنائيه عنه ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ٢٨١) وابن هشام في مغني اللبيب (رقم ٩٢٥) وقوله «خصني مودته» أراد أن يقول : خصني بمودته ، فحذف حرف الجر ، وأوصل الفعل إلى المجرور بنفسه فنصبه ، والمكفور : اسم المفعول من قولهم «كفر فلان النعمة» إذا جحدها ولم يقم بحقها من الشكر ، ومحل الاستشهاد في هذا البيت قوله «لعندي غير مكفور» حيث أدخل لام الابتداء على الظرف ولم يدخلها على خبر إن ، وأصلها أن تدخل على خبر إن أو اسمها المتأخر عن خبرها ، فأصل الكلام هنا : لغير مكفور عندي.
__________________
(١) قوله «لوقوعه موقعه» تعليل لقوله «جاز دخول هذه اللام على معمول الخبر» ونبّهنا على ذلك لتباعد ما بينهما بما وقع اعتراضا.