وأما من ذهب إلى أن انقلابها هو الإعراب فقد أفسده بعض النحويين من وجهين ؛ أحدهما : أن هذا يؤدي إلى أن يكون الإعراب بغير [١٥] حركة ولا حرف ، وهذا لا نظير له في كلامهم. والوجه الثاني : أن هذا يؤدي إلى أن يكون التثنية والجمع في حال الرفع مبنيين ؛ لأن أول أحوال الاسم الرفع ولا انقلاب له ، وأن يكونا في حال النصب والجر معربين ؛ لانقلابهما. وليس من مذهب أبي عمر الجرمي أن التثنية والجمع مبنيان في حال من الأحوال.
وأما من ذهب إلى أنهما مبنيان فقال : إنما قلت ذلك لأن هذه الحروف زيدت على بناء المفرد في التثنية والجمع ، فنزّلا منزلة ما ركب من الاسمين نحو «خمسة عشر» وما أشبهه.
وهذا القول أيضا يفسد من وجهين ؛ أحدهما : أن التثنية والجمع وضعا على هذه الصيغة لأن يدلّا على معنييهما من التثنية والجمع ، وإنما يفرد المفرد في الحكم لوجود لفظه ، وإذا كان كذلك لم يجر أن يشبّها بما ركب من شيئين منفصلين كخمسة عشر وما أشبهه ، والوجه الثاني : أنهما لو كانا مبنيين لكان يجب أن لا يختلف آخرهما باختلاف العوامل فيهما ؛ لأن المبني ما لا يختلف آخره باختلاف العوامل فيه ، فلما اختلف هاهنا آخر التثنية والجمع باختلاف العوامل فيهما دل على أنهما معربان لا مبنيان.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إنها هي الإعراب كالحركات بدليل أنها تتغير تغيّر الحركات» فالجواب عنه من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن القياس كان يقتضي أن لا تتغير كقراءة من قرأ : (إنَّ هذان لساحران) على لغة بنى الحارث بن كعب ، إلا أنهم عدلوا عن هذا القياس لإزالة اللّبس ، ألا ترى أنك لو قلت «ضرب الزيدان العمران» لوقع الالتباس ، وليس هذا بمنزلة المقصور في نحو «ضرب موسى عيسى» ؛ لأن المقصور يزول عنه اللبس بالوصف والتوكيد ؛ لأنه ليس من شرط وصف المقصور أن يكون مقصورا ، وكذلك التوكيد ؛ بخلاف المثنى والمجموع ؛ لأنه من شرط وصف المثنى أن يكون مثنى ، ومن شرط وصف المجموع أن يكون مجموعا (١) ، وكذلك التوكيد ، فبان الفرق بينهما ؛ والذي يدل على أن هذه الأحرف ليست إعرابا كالحركات أنها لو كانت هي الإعراب كالحركات لكان يجب أن لا يخلّ سقوطها بمعنى الكلمة كما لو
__________________
(١) لكن لا يلزم أن يكون وصف جمع المذكر جمعا مذكرا ؛ بل يجوز أن يكون جمع تكسير نحو «هؤلاء الزيدون الأفاضل» فيزول عنه اللبس بالوصف ، وزواله بالتوكيد ظاهر ؛ فلم يتم الفرق.