سقطت الحركات ؛ لأن سقوط الإعراب لا يخلّ بمعنى الكلمة ، ألا ترى أنك لو أسقطت الضمة والفتحة والكسرة من [١٦] الاسم نحو «قام زيد ، ورأيت زيد ، ومررت بزيد» لم يخلّ بمعنى الاسم ، ولو أسقطت الألف والواو والياء من التثنية والجمع لأخلّ بمعنى التثنية والجمع؟ فلما أخلّ سقوط هذه الحروف بمعنى التثنية والجمع بخلاف الحركات دلّ على أنها ليست بإعراب كالحركات.
والوجه الثاني : أن هذه الحروف إنما تغيرت في التثنية والجمع ؛ لأن لهما خاصية لا تكون في غيرهما استحقّا من أجلها التغيير ، وذلك أن كل اسم معتل لا تدخله الحركات ـ نحو «رحى ، وعصا ، وحبلى ، وبشرى» ـ له نظير من الصحيح يدل على مثل إعرابه ، فنظير رحى وعصا : جمل وجبل ، ونظير حبلى وبشرى : حمراء وصحراء ، وأما التثنية وهذا الجمع الذي على حدها ، فلا نظير لواحد منهما إلا بتثنية أو جمع ، فعوضا من فقد النظير الدالّ على مثل إعرابها تغيّر هذه الحروف فيهما.
والوجه الثالث : أن هذا ينتقض بالضمائر المتصلة والمنفصلة ؛ فإنها تتغير في حال الرفع والنصب والجر ، وليس تغيرها إعرابا ، ألا ترى أنك تقول في المنفصلة «أنا ، وأنت» في حال الرفع ، و «إياي ، وإياك» في حال النصب ، وتقول في المتصلة «مررت بك» فتكون الكاف في موضع جر وهي اسم مخاطب ، و «رأيتك» فتكون في موضع نصب ، وتقول «قمت ، وقعدت» فتكون التاء في موضع رفع ، فتتغير هذه الضمائر في هذه الأحوال وإن لم يكن تغيرها إعرابا.
وأما قولهم «إن سيبويه سماها حروف الإعراب» قلنا : هذا حجة عليكم ؛ لأن حروف الإعراب هي أواخر الكلم ، وهذه الحروف هي أواخر الكلم ؛ فكانت حروف الإعراب ، قولهم «إنما سماها حروف الإعراب ، لأنها التي أعرب الاسم بها ، كما تقول : حركات الإعراب» قلنا : هذا خلاف الظاهر ؛ فإن الظاهر في اصطلاح النحويين أنه إذا أطلق حرف الإعراب إنما يطلق على آخر حرف من الكلمة ، نحو الدال من «زيد» والراء من «عمرو» لا على الحرف الذي يكون إعرابا للكلمة ، ألا ترى أن الخمسة الأمثلة أعربت بالحرف ، ولا حرف إعراب لها؟
وأما قولهم «إنه جعل الألف والواو والياء في التثنية والجمع رفعا وجرا ونصبا إلى آخر ما ذكروه» قلنا : معنى قوله «يكون في الرفع ألفا ، ويكون في الجر ياء ، وفي النصب كذلك» أي أنه يقع موقع المرفوع ، وإن لم يكن مرفوعا ، [١٧] ويقع موقع المجرور وإن لم يكن مجرورا ، ويقع موقع المنصوب وإن لم يكن منصوبا ، كما يقال : ضمير المرفوع ، وضمير المنصوب ، وضمير المجرور ، وإن لم يكن