ويكون في النصب كذلك ، وهكذا جعل الواو والياء في الجمع رفعا وجرا ونصبا ، والرفع والجر والنصب لا يكون إلا إعرابا ؛ فدلّ على أنها إعراب.
قالوا : ولا يجوز أن يقال «إن هذا يؤدي إلى أن يكون معربا لا حرف إعراب له وهذا لا نظير له ، وذلك لا يجوز» لأنا نقول هنا : إنما لا يجوز فيما يكون إعرابه بالحركة لا بالحرف ؛ لأن الحركة تدخل في الحرف ، بخلاف ما إذا كان معربا بالحرف ، لأن [١٤] الحرف لا يدخل في الحرف ، والذي يدل على ذلك الخمسة الأمثلة ـ وهي : يفعلان ، وتفعلان ، ويفعلون ، وتفعلون ، وتفعلين يا امرأة ـ فإنها لما كانت معربة بالحرف لم يكن لها حرف إعراب ، ألا ترى أن النون علامة الرفع كالضمة في تضرب؟ وإذا جاز أن تكون هذه الخمسة الأمثلة معربة ولا حرف إعراب لها لأن إعرابها بالحرف فكذلك هاهنا يجوز أن يكون الاسم في التثنية والجمع معربا ولا حرف إعراب له ؛ لأن إعرابه بالحرف.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنها حروف إعراب وليست بإعراب لأن هذه الحروف إنما زيدت للدلالة على التثنية والجمع؟ ألا ترى أن الواحد يدل على مفرد ؛ فإذا زيدت هذه الحروف دلت على التثنية والجمع؟ فلما زيدت بمعنى التثنية والجمع صارت من تمام صيغة الكلمة التي وضعت لذلك المعنى ؛ فصارت بمنزلة التاء في قائمة والألف في حبلى ، وكما أن التاء والألف حرفا إعراب فكذلك هذه الحروف هاهنا.
وأما من ذهب إلى أنها ليست بإعراب ولا حروف إعراب ولكنها تدل على الإعراب فقال : لأنها لو كانت إعرابا لما اختلّ معنى الكلمة بإسقاطها كإسقاط الضمة من دال زيد في قولك «قام زيد» وما أشبه ذلك ، ولو أنها حروف إعراب كالدال من «زيد» لما كان فيها دلالة على الإعراب ، كما لو قلت «قام زيد» من غير حركة ، وهي تدل على الإعراب ؛ لأنك إذا قلت «رجلان» علم أنه رفع ؛ فدل على أنها ليست بإعراب ولا حروف إعراب ، ولكنها تدل على الإعراب.
وهذا القول فاسد ، وذلك لأن قولهم «إن هذه الحروف تدل على الإعراب لا يخلو : إما أن تدل على إعراب في الكلمة ، أو في غيرها ؛ فإن كانت تدل على إعراب في الكلمة فوجب أن تقدر في هذه الحروف ، لأنها أواخر الكلمة ، فيؤول هذا القول إلى أنها حروف الإعراب كقول أكثر البصريين ، وإن كانت تدل على إعراب في غير الكلمة فوجب أن تكون الكلمة مبنيّة ، وليس من مذهب أبي الحسن الأخفش وأبي العباس المبرد وأبي عثمان المازني أن التثنية والجمع مبنيّان.