نادى زيدا بقوله «يا زيد» وليس ذلك في سائر الكلام ، ألا ترى أنك لو قلت «اضرب زيدا راكبا» فلم تجده راكبا لم يجز أن تضربه ، على أنه قد حكى أبو بكر بن السراج عن أبي العباس المبرد أنه قال : قلت لأبي عثمان المازني : ما أنكرت من الحال للمدعوّ؟ قال : لم أنكر منه شيئا ، إلا أن العرب لم تدع على شريطة ؛ فإنهم لا يقولون «يا زيد راكبا» أي : ندعوك في هذه الحالة ونمسك عن دعائك ماشيا ؛ لأنه إذا قال «يا زيد» فقد وقع الدعاء على كل حال ، قلت : فإن احتاج إليه راكبا ولم يحتج إليه في غير هذه الحالة ، فقال : ألست تقول يا زيد دعاء حقا؟ فقلت : بلى ، فقال : على ما تحمل المصدر؟ قلت : لأن قولي يا زيد كقولي أدعو زيدا ؛ فكأني قلت : أدعو دعاء حقا ، فقال : لا أرى بأسا بأن تقول على هذا : يا زيد راكبا ، فالزم القياس ، قال أبو العباس : وجدت أنا تصديقا لهذا قول النابغة :
[٢٠٥] قالت بنو عامر : خالوا بني أسد ، |
|
يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام |
______________________________________________________
[٢٠٥] هذا البيت للنابغة الذبياني كما قال المؤلف ، وكان بنو عامر قد طلبوا إلى قوم النابغة أن يقاطعوا بني أسد ، فجهلهم النابغة في ذلك ، والبيت من شواهد سيبويه (١ / ٣٤٦) ورضي الدين في أول باب المنادى من شرح الكافية ، وشرحه البغدادي في الخزانة (١ / ٢٨٥) ومعنى «خالوا بني أسد» أي تاركوهم وقاطعوهم ، وحرفيته خلوا بينهم وبين أنفسهم ولا تكونوا معهم ، ومنه قالوا للمرأة المطلقة «خلية» وقالوا «خليت النبت» أي قطعته ، وقوله «يا بؤس للجهل» معناه ما أبأس الجهل على صاحبه وأضره له ، والاستشهاد بالبيت ههنا في قوله «يا بؤس للجهل ضرارا» فإن هذه الكلمة حال ، وقد جعله المبرد حالا من المضاف الذي هو المنادى ، ومن المعلوم أن العامل في الحال هو العامل في صاحبها ؛ فيكون العامل في هذه الحال هو العامل في المنادى ـ وهو حرف النداء النائب مناب أدعو ـ وكأنه قال : أدعو بؤس الجهل أدعوه حال كونه ضرارا لأقوام ، ومن العلماء من جعل هذه الحال من المضاف إليه الذي هو الجهل ؛ فيكون العامل فيه هو المضاف لأنه هو العامل في صاحبه ، ومن هؤلاء رضي الدين في شرح الكافية والأعلم الشنتمري ، قال رضي الدين (١ / ١٢٠) : «واعلم أنه قد ينصب عامل المنادى المصدر اتفاقا نحو : يا زيد دعاء حقا ، وأجاز المبرد نصبه للحال نحو : يا زيد قائما ، إذا ناديته في حال قيامه ، قال : ومنه قوله :
* يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام*
والظاهر أن عامله بؤس الذي بمعنى الشدة ، وهو مضاف إلى صاحب الحال ـ أعني الجهل ـ تقديرا ؛ لزيادة اللام ؛ فهو مثل : أعجبني مجيء زيد راكبا» اه فأنت ترى أنه بعد أن نقل مذهب المبرد استظهر غيره وهو الذي حكيناه عنه ، وقال الأعلم «ونصب ضرارا على الحال من الجهل» اه ، والاستشهاد الثاني بهذه الجملة في زيادة اللام وإقحامها بين المضاف الذي هو بؤس والمضاف إليه الذي هو الجهل ، قال سيبويه «ومثل هذا قول الشاعر إذا اضطر :
* يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام*
حملوه على أن اللام لو لم تجىء لقلت : يا بؤس الجهل» يريد أن الشاعر مع مجيء اللام