ما أفعله لا يجوز فيه أفعل من كذا ، وكذلك بالعكس منه : ما جاز فيه ما أفعله جاز فيه أفعل من كذا ، فإذا ثبت أنه يمتنع في كل واحد منهما ما يمتنع في الآخر ، ويجوز فيه ما يجوز في الآخر ، دلّ على أنهما بمنزلة واحدة ، [٦٩] وكذلك القول في «أفعل به» في الجواز والامتناع ، فإذا ثبت هذا فوجب أن يجوز استعمال ما أفعله من البياض.
وأما القياس فقالوا : إنما جوزنا ذلك من السواد والبياض دون سائر الألوان لأنهما أصلا الألوان ، ومنهما يتركب سائرها من الحمرة والصفرة والخضرة والصّهبة والشّهبة والكهبة إلى غير ذلك ، فإذا كانا هما الأصلين للألوان كلها جاز أن يثبت لهما ما لا يثبت لسائر الألوان ؛ إذ كانا أصلين لها ومتقدمين عليها.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : الدليل على أنه لا يجوز استعمال «ما أفعله» من البياض والسواد أنا أجمعنا على أنه لا يجوز أن يستعمل مما كان لونا غيرهما من سائر الألوان ؛ فكذلك لا يجوز منهما ، وإنما قلنا ذلك لأنه لا يخلو امتناع ذلك : إما أن يكون لأن باب الفعل منهما أن يأتي على افعلّ نحو احمرّ واصفرّ واخضرّ وما أشبه ذلك ، أو لأن هذه الأشياء مستقرة في الشخص لا تكاد تزول فجرت مجرى أعضائه ، وأي العلتين قدرنا وجدنا المساواة بين البياض والسواد وبين سائر الألوان في علة الامتناع ؛ فينبغي أن لا يجوز فيهما كسائر الألوان.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما احتجاجهم بقول الشاعر :
* فأنت أبيضهم سربال طباخ* [٨٩]
فلا حجّة فيه من وجهين ؛ أحدهما : أنه شاذ فلا يؤخذ به ، كما أنشد أبو زيد :
[٩١] يقول الخنا وأبغض العجم ناطقا |
|
إلى ربّنا صوت الحمار اليجدّع |
______________________________________________________
[٩١] هذان البيتان من كلام ذي الخرق الطهوي ، وليسا متتاليين في كلامه كما قد يظن من صنيع المؤلف. بل بين أولهما وثانيهما بيتان ، وقد استشهد بالبيت الأول رضي الدين في شرح الكافية ، وشرحه البغدادي في الخزانة (١ / ١٥ و ٢ / ٤٨٨) وأنشده ابن منظور (ج د ع) مع بيت سابق عليه ونسبهما لذي الخرق ، وأنشده مرة أخرى (ل وم) وذكر له نظائر كثيرة ، وأنشده الأشموني (١ / ١٧١ بتحقيقنا) واستشهد به ابن هشام في المغني (رقم ٦٨) وقد روى أبو زيد في نوادره (ص ٦٦ و ٦٧) سبعة أبيات يقع أول هذين البيتين ثانيها ، ويقع ثاني البيتين خامسها ، والخنى : الفاحش من الكلام ، وأبغض : أفعل تفضيل من البغض ، وفعله بغض فلان إلي ، وتقول : ما أبغضني إلى فلان ؛ إذا كان هو المبغض لك ، وقالوا : ما أبغضني لفلان ؛ إذا كنت المبغض له ، والعجم : جمع أعجم أو عجماء ، والأعجم :