الجوار الوحيد الذي يشعر العرب عنده ، بشعور العروبة الموحدة ، عالية الرأس ، غير مستكينة لأجنبي ، كائنا من كان.
ولعل هذا كله إنما كان سببا في أن يرى العرب أن مقاومة حملة أبرهة ، إنما هو الواجب المفروض عليهم ، ومن ثم فقد تعرض للحملة شريف يمني يدعى «ذو نفر» ، لم يكتب له النجاح في مهمته ، وأخذ اسيرا ، والأمر كذلك بالنسبة إلى «نفيل بن حبيب الخثعمي» ، وهكذا استمرت الحملة في طريقها ، حتى إذا ما وصلت إلى الطائف ، تقدم زعيمها «مسعود بن معقب» إلى الطاغية الحبشي ، يعلن له الخضوع ، ثم بعث معه «أبا زغال» ليدله على الطريق إلى مكة ، فأنزله «المغمس» ـ على مبعدة ثلثي فرسخ من مكة في طريق الطائف ـ وهناك هلك أبو رغال ، ورجمت العرب قبره بعد ذلك (١).
ويصل أبرهة إلى أرباض مكة ، ويرسل «الأسود بن مقصود» على فرسانه ، فيسوق إليه أموال تهامة من قريش وغيرها ، ومن بينها مائتا أو أربعمائة بعير لسيد مكة ، عبد المطلب بن هاشم ، ثم يبعث برجل من العرب يدعى «حقاطة» يبلغ سيد مكة أن أبرهة لم يأت لقتالهم ، وإنما لهدم البيت الحرام ، فإن لم يمنعوه ، فهم في أمان من حربه.
ويلقى رسول أبرهة سيد مكة ، ويبلغه رسالة أبرهة ، فيقول له عبد المطلب : «والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك من طاقة ، وهذا بيت الله الحرام ، وبيت إبراهيم خليله عليهالسلام ، فإن يمنع منه فهو بيته وحرمه ، وإن يخل بينه وبنيه ، فو الله ما عندنا دفع عنه».
__________________
(١) ابن الأثير ١ / ٤٤٣ ـ ٤٤٥ ، تفسير الطبري ٣٠ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، تفسير القرطبي ص ٧٢٧٨ ـ ٧٢٧٩ (طبعة الشعب) ، ص ١٨٨ ـ ١٨٩ (طبعة دار الكتب) ، تفسير ابن كثير ٨ / ٥٠٤ ـ ٥٠٥ (طبعة الشغب) ، تفسير روح المعاني ٣٠ / ٢٣٤ ، في ظلال القرآن ٨ / ٦٦٥ ، مروج الذهب ٢ / ٥٣ ، ياقوت ٣ / ٥٣ ـ ٥٤ ، ٥ / ١٦١ ـ ١٦٢ ، الأزرقي ١ / ١٤١ ـ ١٤٢.