الحرام (١) ، فإن واحدا من هذه البيوت لم يجتمع له ما أجتمع لبيت مكة ، لأن مكة ملتقى القوافل بين الجنوب والشمال وبين الشرق والغرب ، وكانت لازمة لمن يحمل تجارة اليمن إلى الشام ، ولمن يعود من الشام بتجارة يحملها إلى شواطئ الجنوب ، وكانت القبائل تلوذ منها بمثابة مطروقة تتردد عليها ، ولم تكن فيها سيادة قاهرة على تلك القبائل في باديتها أو في رحلاتها (٢).
وكانت مكة كذلك عربية لجميع العرب ، ولم تكن كسروية ولا قيصرية ، ولا تبعيّة ولا نجاشية ، كما عساها كانت تكون لو استقرت على مشارف الشام أو عند تخوم الجنوب ، ولهذا تمت لها الخصائص التي كانت لازمة لمن يقصدونها يجدون فيها من يبادلهم ويبادلونه على حكم المنفعة المشتركة ، لا على حكم القهر والإكراه (٣).
هذا بالاضافة إلى أن كعبة مكة ـ دون غيرها من البيوت الحرام ـ إنما هي من بناء أبيهم إبراهيم وولده إسماعيل ، عليهماالسلام ، فضلا عن إنها إنما كانت تضم أصناما لكل قبيلة عربية ، حتى زاد عدد الأصنام في الكعبة على ثلاثمائة صنم (٤) ، وأخيرا فإن الكعبة إنما أصبحت آخر الأمر ، المفخرة القومية ، والحرام الإلهي عند العرب ، ثم غدت بعد حين من الدهر ،
__________________
(١) ياقوت ١ / ٢٣٨ ، ٣ / ٤٢٧ ، ٤ / ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ، ٥ / ٢٦٨ ـ ٢٦٩ ، بلوغ الأرب ١ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، ٢ / ٢٠٢ ، ٢٠٧ ـ ٢٠٩ ، كتاب الأصنام ص ٣٨ ، البكري ٢ / ٦٠٣ ، كتاب المحبر ص ٣١٧ ، ابن حزم : جمهرة أنساب العرب ص ٤٩٣ ، الروض الآنف ١ / ٦٦.
(٢) عباس العقاد ، مطلع النور ص ١١٢ ـ ١١٣.
(٣) نفس المرجع السابق ص ١١٣.
(٤) الازرقي ١ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، اليعقوبي ١ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ، الروض الآنف ٢ / ٢٧٦ ، كتاب الأصنام ص ٢٧ ـ ٢٨ ، جوستاف لوبون : حضارة العرب ص ١٢٤ ، جرجي زيدان : تاريخ التمدن الاسلامي ١ / ٣٧ وكذاE ,Gibbon ,op - cit ,P.٥٢٢.