بناء هذه المعابد وأمثالها ، لأنهم أمة خيام لم تتأصل فيهم صناعة البناء ، وهؤلاء الباحثون وأمثالهم ـ فيما يرى الأستاذ العقاد ـ يتشبثون بالفروع ، ويغفلون الأصل ، بجذوره وجذوعه عليه ، فمهما يكن من لغة البناء الرومي أو الحبشي ، فالقبائل العربية لم تبن تلك البيوت لأن البناء من الروم أو من الحبش ، ولم ترد أن تنشئ لها بيتا يسمى «الكعبة» أو المكعبة في اللغة الرومية ، وإنما وجدت الحاجة إلى البيت الحرام ، ثم وجدت الوسيلة إلى تلك الغاية ، ولو لم يبنه أحد من الروم أو الحبش ، لبناه أحد من فارس أو مصر أو الهند أو غيرها من الأمم التى تقدمت في هذه الصناعات (١).
وقد بنى سليمان بن داود هيكله في وقت كان اليهود فيه ما يزالون في بداوة بدائية ، يندر فيهم من يعرف أصول حرفة أو صناعة أو علم من علوم الدنيا ، وكان الاعتماد على الفينيقيين الأجانب ، وعلى رأسهم حيرام الصوري ـ كما نقرأ في التوراة (٢) ـ هو الحل الوحيد الممكن أمام داود وسليمان ليرتفع هيكل الرب (٣) ، وكان المعبد في نهاية الأمر مزيجا عجيبا من الفنون المصرية والبابلية والفينيقية ، ورغم أن التوراة تشيد بإعجاب بالمساعدة الفينيقية ، فإن المعلومات التي يقدمها لنا سفر الملوك الأول تتيح لنا بسهولة التأكد من واقع تأثير مصر وبلاد الرافدين ، وعلى أي حال ، فإن سليمان كان مضطرا إلى أن يتطلع إلى نماذج خارج بلاده ، فهو لم يكن لديه في إسرائيل إلا تقاليد يهودية قليلة ، ما كانت لتفيده شيئا في بناء المعبد ، ومن ثم ، فإنه ـ رغم ما كان ينظر إليه تجاه الفن المصري والبابلي ، إلا أن
__________________
(١) عباس العقاد : مطلع النور ص ١١١ ـ ١١٢ ، وأنظر : تفسير الطبري ١١ / ٨٩ ـ ٩٠ (طبعة دار المعارف ١٩٥٧) ياقوت ٤ / ٤٦٣ ـ ٤٦٥ ، احمد حسن الباقوري : مع القرآن ، القاهرة ١٩٧٠
(٢) ملوك أول ٧ : ١٣ ـ ١٤
(٣) حسن ظاظا : القدس ص ٣٦ ـ ٣٨