والغريبة عن الفكر
الإسلامي وعقليته. فالمسلمون لم يعوا الحدّ إلاّ في دوره الاسمي المميّز بين
الألفاظ.
لقد اقتصر التوجّه بالمعيار نحو بعض
الأمثلة الفقهية ، وكانت بمثابة التمهيد للمحكّ ، إذ يقول الغزالي : «رغبنا ذلك
أيضا في أن نورد في منهاج الكلام في هذا الكتاب أمثلة فقهية فتشمل فائدته ، وتعمّ
سائر الأصناف جدواه وفائدته. ولعل الناظر بالعين العوراء ، نظر الطعن والإزراء ، ينكر
انحرافنا عن العادات في تفهيم العقليّات القطعية بالأمثلة الفقهيّة الظنيّة.
فليكف عن غلوائه في طعنه وإزرائه ، وليشهد
على نفسه بالجهل بصناعة التمثيل وفائدتها. فإنها لم توضع إلا لتفهيم الأمر الخفيّ
بما هو الأعرف عند المخاطب المسترشد ، ليقيس مجهوله إلى ما هو معلوم عنده ، فيستقر
المجهول في نفسه ... .
فاقتصر غرضه على إعطاء الأمثلة الفقهية
، لاستساغة الأمور العقلية لا أكثر ويعترف بأنه يقوم بصناعة فكرية للتفهيم. بينما
الأمر في «المحك» يختلف تماما ، فثمة تجاف وتباعد عن غرض التقليد والاتّباع ، ـ قاصدا
اتّباع ابن سينا ـ واقتراب إلى الإبداع وتأليف المنطق الإسلامي الذي يرشد إليه نور
اللّه والاستبصار المعرفيّ. «وما أحوج إلى هذا من ركب متن الخطر في الارتفاع عن
حضيض التقليد ، مع سلامة مغبّته إلى يفاع الاطّلاع والاستبصار ، مع خطر عاقبته وتفاقم
غائلته. فإن لم يره الحق حقا ، كان نظره كلّه هباء ، وإن لم يوفّقه للعمل بما علمه
كان جهده كلّه عناء ...» .
وبدل أن يسمّي مبحث الحدّ تصوّرا يسمّيه
في المحك المعرفة. ويصرّح بأن المعرفة متأتّية من اللغة العربية. و «يقول النحاة
أن المعرفة تتعدّى إلى مفعول واحد ، إذ يقول عرفت زيدا ، والظنّ يتعدّى إلى
مفعولين ، إذ تقول
__________________