التقديم
لا غرابة في أن يتميّز الإمام الغزالي ويلقّب بحجة الإسلام وفيصله. ولا سيما إذا ألقى الباحث نظرة فاحصة على بيئته وظروفه ، حيث سيعثر على جملة من الاضطراب الثقافي والاجتماعي ، بل ويمكن القول المعرفي ، إذ تقاطعت عنده وبه مجموعة التيارات المعرفية والفكرية التي سادت ساحة المشرق معبّرة عن ذاك الاختلاط المعرفي والثقافي الموروث والحادث معا.
وإن السابر لكتب أبي حامد يعثر على شيء من التعارض والتباين بين قريب للفلسفة بأسها اليوناني وبين عالم في التوحيد ، بين ممجّد معظّم للفكر العقلي المنظّم وبين آخذ بضرورة الحدس الوجداني والإلهام الصوفي النوراني. ولعلّ هذا السابر يلقي نظرة على السطح ويقرأ قراءة أولية ، إذ القراءات المتتالية تكشف الغطاء عن ذاك التقاطع المعرفي الذي التقى عند الغزالي ، بينما هو في عمق كتاباته متبن للفكر العقلي الملتزم بحدود الإيمان فرضية ومسلمة أولى للانطلاق ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، كان الغزالي فيلسوفا آخذا بالمنحى العقلي في إطار المتناهي وبالاتجاه الحدسي الإلهامي في إطار اللامتناهي إذ العقل يعجز في ذاك الأفق عن التحديد واليقين والنظم الصارم.
إن ميزة الإمام الحجة هنا ذاك السفر الذي بين أيدينا وفيه نعرج من المعاني اليونانية إلى المعاني الإسلامية ليس بتحوير إنما بغرس وتطبيع